جدوى الإضرابات.. سلاح المقاومة الوحيد لتحقيق المطالب – التايمز نيوز
سياسة

جدوى الإضرابات.. سلاح المقاومة الوحيد لتحقيق المطالب

الخرطوم: مهند عبادي

نفذت مجموعات مهنية وعمالية مختلفة خلال الفترة الماضية إضرابات عدة عن العمل في إطار السعي للحصول على المطالب والحقوق عبر الضغط على السلطات الحكومية لتوفيق الأوضاع بمؤسساتهم وقطاعاتهم المختلفة، قبل أن تمتد سلسلة الإضرابات لتصل إلى قطاع التجار بعدد من أسواق مدن البلاد المحتجين على قرارات السلطات بزيادة الضريبة، ومؤخراً أعلن تجار سودانيون في عدد من مدن السودان الإضراب عن العمل، وأغلقوا أبواب محالهم أمام الجمهور، في اعتراض مختلف من نوعه على زيادة الضرائب الحكومية التي تنعكس على حياة التجار، وتثقل كاهل المواطنين بارتفاع الأسعار، وبدأ إضراب التجار بمدينة سنار، ومن ثم انتقل الأمر إلى مدينة القضارف احتجاجاً على الضرائب الباهظة التي تفرضها سلطات المحليات عليهم ممما يشكل عبئاً زائداً على كاهلهم في واقع تزايد ارتفاع الأسعار في السلع الأساسية وضعف قدرات القوى الشرائية في السوق المتهالك لا سيما في أقاليم البلاد.

كثيرون يؤكدون أن انتشار عدوى الإضرابات وسط المجتمع السوداني وازدياد معدلاتها وخروجها من حيز التجمعات المهنية والعمالية لتصل إلى الأسواق والتجار والقطاعات تعتبر مؤشراً لاتساع دائرة الرافضين للسياسات الحكومية وكسب لفئات كانت خارج دائرة الفعل السياسي لتصبح فاعلة في الوقت الراهن لمقاومة الانقلاب والقوى وسياساته الخرقاء، وكانت السلطات قد أعلنت في مطلع فبراير الماضي زيادة الحد الأدنى للأجور من ثلاثة آلاف جنيه سوداني، إلى “”12 ألف جنيه في محاولة لاحتواء آثار القرارات الاقتصادية والضائقة المعيشية، ولكن ارتفاع معظم أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية والخدمات بسبب الزيادات في الضرائب والكهرباء والجمارك وغيرها من الرسوم الحكومية جعلت السوق يتلهم رفع الأجور والمرتبات، ويدعو البعض إلى ضرورة تلافي سلبيات الإضراب بعدم تضرّر المواطنين خاصةً فيما يتعلق بالخدمات في المستشفيات والكهرباء والأسواق وخلافها، فضلاً عن الدعو إلى إعادة النظر في الأجور بشكل يتناسب مع الارتفاع الكبير في الأسعار، ويرى اقتصاديون أن الحل الفردي لمجموعة محدّدة والاستجابة لمطالبها لن يحل المشكلة لجهة أن كل العاملين بمؤسسات الدولة يعيشون معاناة كبيرة، ستظهر إضرابات جديدة لذلك لابد من حل موحد بزيادة الأجور، وفي الأثناء يقول خبراء إن الإضرابات الحالية غير قانونية ولا يغطيها القانون الدولي للنقابات، باعتبار أنها تجاوزت الإجراءات القانونية والمعايير المتبعة التي تنص على المطالبة من قبل العمال لصاحب العمل، ثم المحكمة ثم الإضراب، مشيرين إلى أن الإضرابات تهدف إلى الحصول على حقوق العمال فقط وليس لها هدف سياسي آخر ولكن تم تغيير هذا المفهوم بواسطة الحزب الشيوعي السوداني في حقبة السبعينيات والثمانينيات، وأن سلاح الإضرابات يسخدم حالياً إلى جانب والاحتجاجات العمالية السياسية بكثافة لإسقاط الحكومة.
الأستاذ عادل مهدي يقول معلقاً على الإضرابات التي انتظمت البلاد في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، إن من نكص عن عهده مع شعب كامل، فلا غرابة أن ينكص عنه مع العاملون في الكهرباء وقطاعات العاملين الأخرى ، ويضيف: “قلت قبل أيام قليلة إن الإضرابات المطلبية غير مجدية في ظل (اللا دولة) هذه وهاهي الأيام تثبت صدق حديثي فشكت لجنة مرتبات العاملين بالكهرباء (لطوب الأرض) عن عدم وفاء (الانقلابيين) لوعدهم لهم ورجعوا لمربع الإضراب مرة أخرى”، وتابع:” هؤلاء ياسادتي جاءوا إلينا غزاة ليس على ظهر (دبابات) ولكن وللأسف على ظهر أعظم ثورة شعبية عرفتها البشرية جميعهم، جاءوا لنهب ثروات بلدنا وأكل أموالنا بينهم (بالباطل)، وزاد: “لا يهمهم وطن ولا يهمهم مواطن فقط تهمهم (جيوبهم) وبعضهم جاء بأجندة خفية، ولكن سرعان ما تكشفت لنا”، وأكد عادل: “صحيح أن الإضرابات (المطلبية) قد تشل حركتهم قليلاً، ولكن يخرجون من المآزق بالوعود الزيف و(اللجلجة) والتسويف مثل ما حدث للعاملين بالكهرباء وقبلهم المعلمون، وكذلك التخطيط العمراني والقائمة تطول، ويرى عادل أن الحل يكمن في وحدة جميع العاملين في الدولة والقطاع الخاص والتجار وأصحاب المهن الأخرى والاستعداد للإضراب السياسي الشامل والعصيان المدني، مؤكداً أنه السلاح الوحيد المجرب في إسقاط الحكومات الشمولية الدكتاتورية وبالضربة القاضية، والآن نريد أن نسقط به هؤلاء (الغزاة) البرهان وزمرته، وحميدتي وجنجويده، وقادة الحركات (المخستكة)، والانتهازيين الجدد والقدامى والدائرة تتسع.
وقبل أيام نفذ العاملون بقطاع الكهرباء إضراباً مفتوحاً عن العمل قبل أن تتدخل السلطات بتوجيهات عليا من مجلس السيادة لتنفيذ مطالب العاملين بالكهرباء المتمثلة في إجازة الهيكل الراتبي الجديد الذي أعدته لجنتهم، وقضت برفع أجر الموظف في القطاع إلى نصف مليار جنيه سوداني، وفقاً للدرجات الوظيفية، ليكون الإضراب، ولكن قبل أن تمضي أيام على مزاولة العاملين بالكهرباء لأعمالهم، لوَّحت لجنة الهيكل الراتبي للعاملين بقطاع الكهرباء، الخميس الماضي، بالعودة للإضراب، معلنة عدم التراجع “عن أي مكتسب حققه العاملون عبر جهدهم وصبرهم الطويل”، قائلة إن عهدها هو “عدم التنازل عن أي حق من الحقوق”، وذلك عقب تأكد اللجنة من صحة القرار رقم (324) الصادر من مجلس الوزراء بخصوص الهيكل الراتبي للعاملين بقطاع الكهرباء بتطبيق الهيكل الراتبي الحكومي الجديد على القطاع، في خطوة قالت إنها “نقض للعهود والمواثيق ولما تم الاتفاق عليه وبقرار تصديق من وزير الطاقة والنفط بتطبيق الهيكل الراتبي الجديد”، الأمر الذي عدته “إعادة للقطاع للمربع الأول” قبل رفع الإضراب في الثالث عشر من الشهر الجاري، وقالت اللجنة إن موقفها هو “استرداد الحقوق كاملة دون نقصان كما تم تمثيلها في مقترح الهيكل الراتبي” الذي قدمته، معلنة العودة للتصعيد مرة أخرى حتى تنفيذ “حقوقنا كاملة”، بإضراب جزئي ابتداءً من يوم الأحد، وإضراب شامل ابتداءً من اليوم الاثنين بموجهات ستصدر لاحقًا، وشددت اللجنة على أنها لن توقف التصعيد حتى اكتمال تطبيق قرار الوزير بتاريخ 12.09.2022 كاملًا دون نقصان.
وفي السياق دخل أطباء الامتياز في إضراب بعدد من ولايات البلاد، كواحدة من الأدوات السلمية الاحتجاجية وصولاً إلى مصالح أطباء الامتياز، قبل أن تلعن لجنة الأطباء رفع الإضراب والعودة للعمل الاسبوع الماضي، بعد إضراب عن العمل امتد لـ 9 أيام متواصلة، للمطالبة بصرف استحقاقاتهم المالية الموقوفة منذ 8 أشهر دون أسباب، وشددت لجنة أطباء الامتياز على أنه لا يحق لإدارة المستشفيات اتخاذ أي إجراء ضد الأطباء المضربين عن العمل، وأكدت إن الاضراب حق مكفول، ولا يحق لأي إدارة مستشفى المساس بأي طبيب امتياز مارس حقه الذي كفله له القانون، وكشفت عن التزام وزارة الصحة الاتحادية بمخاطبة إدارات المستشفيات بخصوص بعض التجاوزات وسوء استخدام السلطة عبر قنواتها الرسمية للتأكيد على ذلك، وأشارت إلى أن “تجربة الإضراب الذي تم وقدرة اللجنة على التواصل مع جموع قواعد أطباء الامتياز وانطلاقاً من ان الأجسام القاعدية هي النواة الحقيقية للنقابات القادمة، تأتي هذه التجربة لتضاف إلى نضالات الأطباء في طريق الوصول إلى نقابة أطباء السودان دليلا دامغاً على أن المستقبل تبنيه القوى الحية والفاعلة، وأكدت لجنة أطباء الامتياز على أنها منفتحة على جميع خيارات التعاون مع بقية الأجسام المهنية في طريق السعي الدؤوب للوصول إلى نقابات منتخبة تساهم في إرساء أسس العمل الديمقراطي.
وفي مارس الماضي نفذت لجنة المعلمين السودانيين إضراباً مفتوحاً في كل ولايات السودان، وجاء الإضراب في أعقاب إحجام وزارة المالية الرد على المذكرة التي رفعتها اللجنة، بصرف المرتبات وفق الهيكل المالي للعام 2022 ابتداءً من شهر يناير وصرف العلاوات المرتبطة بالأجر الأساسي المتمثلة في “طبيعة العمل والبديل النقدي، وبدل اللبس، ومنحة العيدين وفقاً لهيكل 2022 بالإضافة إلى زيادة الحد الأدنى للأجور إلى (24) ألف بدلاً عن (12) ألف، وفي أغسطس العام الماضي، قامت لجنة المعلمين السودانيين بإعداد دراسة عن أجور المعلمين قدمتها إلى مجلس وزراء الحكومة الانتقالية، وكانت الدراسة خلصت إلى أن الحد الأدنى للأجر المطلوب يجب أن يبلغ (21733) جنيه، كما قامت اللجنة بإرفاق دراسة لتكاليف المعيشة عن شهر أغسطس ــ الشهر الذي قُدمت فيه الدراسة ــ وبلغت تكاليف المعيشة للشهر المُشار إليه (210) آلاف جنيه، ووقتها وعد مجلس وزراء الحكومة الانتقالية بإدراج الدراسة المذكورة ضمن هيكل الأجور الموحد للعام 2022، إلا أنه وفي أعقاب الانقلاب الذي أطاح بحكومة الفترة الانتقالية بواسطة القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، تم نقض الوعد.
وسبق أن نفذ مئات العمال في ستة سدود سودانية خلال يونيو الماضي إضراباً عن العمل احتجاجاً على نقلهم من العمل في شركة التوليد المائي لوزارة الري والموارد المائية التي كانت السدود إحدى إداراتها وطالبوا بإعادة تبعيتهم للشركة مرة ثانية وبالامتيازات المالية السابقة التي حرموا منها، وفي يوليو نفذ أكثر من (4) آلاف عامل في شركة السكر السودانية إضراباً مفتوحاً عن العمل لتنفيذ مطالبهم بصرف متأخرات رواتبهم، وكذلك انتظم العاملون في وقاية النباتات التي تتبع وزارة الزراعة في بورتسودان بإضراب عن العمل مطالبين بحقوقهم الوظيفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى