الأعيسر “الوزير المجنّح”.. بقلم .. سماح طه

في حكومة “أمل” التي لا أمل يرجى منها، يبدو أن اختيار الوزراء يشبه لعبة الكراسي: تنطلق الموسيقى، ثم تتوقف فجأة، فيجلس أقرب شخص للكرسي… حتى لو لم يكن على قائمة المرشحين.
خالد الأعيسر مثال حي لذلك. انتظر طويلًا وهم يتقاذفون الأسماء، حتى صار الكرسي واحدًا والمتسابق واحدًا. قلبوا القوائم، تبادلوا الآراء، وحين لم يجدوا غيره، قالوا له: “تعال… الكرسي فاضي، لكن (خشمك عندك)… ترجم وانت ساكت”.
هكذا صار عندنا وزير إعلام… للمرة الثانية، لكن بلا نطق رسمي! كأنك تعيّن سائقًا وتمنع عنه المفاتيح، أو تختار قائد أوركسترا… ثم تكسر عصاه. والأغرب أنه قبل بالشروط، لأن الكرسي – في نظر البعض – أثمن من الكلام، والمنصب أغلى من المهام.
الأعيسر، كما يعرف الجميع، رجل خارجيات في الأساس، لكن حكومتنا قررت أن تُسند له الإعلام… ربما لأنهم لا يريدون وزيرًا يتحدث كثيرًا. في نسخته الأولى، كان وزير “أكشن” بكل ما تحمله الكلمة من معنى: مرة رجم مجسم حميدتي أمام الكاميرات، ومرة سيلفي جنب الحريق، وبينهما حفلات تخوين للصحفيين، وصولًا لإغلاق قناة الشرق وكأنه يحرر الوطن من خطر داهم. ولم يكتف بذلك، بل منع القنوات الإخبارية الدولية من التصوير الميداني خارج مكاتبها، وكأن الكاميرات تهدد الأمن أكثر من الرصاص.
واليوم، في نسخة “الصامت الرسمي”، تعلن وزارته السماح لوسائل الإعلام الدولية بالتصوير الميداني من بورتسودان… لكن مع قائمة طويلة من المحظورات تبدأ بعدم الاقتراب من المناطق الاستراتيجية والعسكرية، ولا تنتهي بما قد يُعرّض المراسلين للمضايقات. انفتاح محسوب بعناية… أو بالأصح، انفتاح على الورق فقط.
الطريف أن الصمت لم يمنع الأخبار من الطيران. فرغم “السكون المطبق” المفروض، خرج للناس خبر “سفر الكاهن”، وكأن الملفات في وزارته مزوّدة بأجنحة لا تحتاج لتصريح الوزير.
وزير إعلام لا يدافع عن الصحفيين الذين مُنعوا من حقهم الدستوري كسودانيين… كان يمكنه – بدل الجعجعة – أن يتظاهر ولو مجاملة بحماية حرية التعبير، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، يا سعادة الوزير صاحب الكرفتات المتعددة، الذي يغيّر ألوانها كما يغيّر مواقفه…..
وزارة الإعلام ليست منصة للصور التذكارية ولا كرسيًا بروتوكوليًا فارغًا. إنها موقع مواجهة ومسؤولية. وحين يتحول الموقع إلى فراغ صامت، يصبح المغزى واضحًا: هنا، الصمت سياسة… لا صدفة. والأعيسر يعرف اللعبة جيدًا: في المرة الأولى أغلق الباب بالمفتاح، وفي الثانية فتحه… لكن بعد أن علّق على المدخل لافتة تقول: ممنوع الدخول……