الحكومة المدنية القادمة.. هل يتكرر سيناريو الانقلاب ويتدخل الجيش؟

الخرطوم: مهند عبادي
أثارت تصريحات رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قبل يومين، المتعلقة بجاهزية الجيش وعمله على دعم الحكومة المدنية المنتظر تشيكيلها، والاستعداد لمراقبة مسار عملها، والتدخل لتصحيح الانحراف عن مسارها إذا حدث، أثارت ردود فعل واسعة في القوى المدنية، وجدد التساؤل القديم المتجدد حول صدق المؤسسة العسكرية والتزامها بالخروج من السياسة، ففي الوقت الذي ينتظر أن تفضي العملية السياسية إلى تأسيس نظام حكم ديمقراطي يقود البلاد نحو التحول المنشود وابتعاد العسكر عن العمل السياسية، تجيء التصريحات الأخيرة لتبعث المخاوف مجدداً من مستقبل الحكومة القادمة في ظل التحديات الجسيمة التي تنتظرها، وإمكانية أن يكون ذلك مدخلاً لوصمها بالفشل، والتدخل مجدداً بالانقلاب عليها.
ماذا قال البرهان؟
وكان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، في كلمته أمام الحشد الجماهيري بمدينة مروي، الأربعاء، قد قال: “إننا نمضي نحو تأسيس حكم مدني وحكومة مدنية سوف تتشكل قريباً”، وقال: “أنتم من تحرسوها وتقودوها ونسندها ونقومها ونوضح لها الطريق الصحيح، وإذا انحرفت عن الدرب أنتم قاعدين والجيش قاعد، ونحن لا نريد تسلطاً عسكرياً أو مدنياً”.
مراقبة الحكومة.. الفاشلون يبحثون عن دور
ويرى مراقبون أن مسألة مراقبة الحكومة القادمة والحديث عن جاهزية الجيش للتدخل مرة أخرى لتصحيح انحرافها أمر يبدو وكأنه إصرار على ممارسة وتكرار نفس الخطأ الذي جرف البلاد نحو هاوية الانهيار بفعل انقلاب أكتوبر من العام قبل الماضي، مؤكدين أن البلاد تعاني شللاً تاماً، وينتظرها مستقبل قاتم بسبب الانقلاب الذي فشل قادته ومناصروه في إدارة الدولة، وتسببوا في تردٍّ اقتصادي وأمني كبير، بعد أن استعصى عليهم أمر تشكيل حكومة لإدارة البلد، ويشيرون إلى أن التصريحات الأخيرة حول إمكانية التدخل لتصحيح الانحراف يصعب تقبلها في ظل فشل الانقلاب في مهمته خلال عام ونصف، تسيد فيها المشهد بحجة تصحيح الأوصاع والمسار، وبالتالي فإن تكرار التجربة والتدخل ثانية يصبح ضرباً من الجنون، ولا تسنده وقائع التجربة والحالة على الأرض.
بالغة التعقيد.. أوضاع المؤسسة العسكرية
وفي الأثناء يرى آخرون أن المؤسسة العسكرية حالياً تمر بأوضاع بالغة التعقيد، وليست في موضع قوة يمكنها من الارتداد على مسار العملية السياسية، مشددين على أن الضامن الوحيد لتلافي تكرار الانقلاب على الحكومة الانتقالية المرتقبة يتمثل في الالتزام الأخلاقي بالاتفاق النهائي المتوقع إبرامه قريباً ، فضلاً عن إيمان جميع الفاعلين حالياً في الساحة من عسكريين ومدنيين بضرورة المحافظة على البلاد وعدم تعطيل المسار المدني الديمقراطي، مؤكدين أن السياسة بشكل عام ليست بها ضمانات سوى الالتزام الأخلاقي فقط، وينوه أصحاب هذا الرأي إلى أن تدخل المؤسسة العسكرية أمر مستبعد، ولا يمكنها تكرار نفس الخطوة في ظل الأوضاع الحالية داخل المؤسسة ذاتها، خاصة وأنها حالياً تتحمل تبعات وأخطاء قادتها من المكون العسكري التي بسببها تزداد الهوة والمسافة بين الجيش والشعب، وهو ما سوف يكون له تأثير واضح في دعم الأجيال الجديدة للجيش بسبب تصرفات القادة الحاليين التي تلقي بظلال سالبة على المؤسسة العسكرية ككل، مؤكدين أن قائد الجيش قد خسر كثيراً بانقلاب أكتوبر، ولن تكون الفرصة مواتية مستقبلاً لتكرار التجربة.
شروط مرفوضة
المحلل السياسي عز الدين أحمد يقول إن البرهان ليس لديه الحق في وضع اشتراطات للحكومة المقبلة، بعد العملية السياسية، وهو ليس في موقع الاشتراط، والهدف من تصريحاته الأخيرة يسعى لإرسال تطمينات لبعض الجهات التي كانت داعمة له في انقلاب أكتوبر على المستوى الداخلي والخارجي، ويضيف عز الدين في حديثه لـ” السوداني” أن قادة الجيش ينبغي لهم الاتجاه نحو تنفيذ بنود الاتفاق الإطاري التي نصت على تشكيل جيش وطني واحد بعد اكتمال ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، ويؤكد أن البرهان ليس بمقدوره إعادة السيناريو ذاته مرة أخرى، خاصة في ظل الضغوط الدولية والداخلية وفشل الانقلاب في قيادة الدولة نحو بر الآمان، إلى جانب أن فكرة الانقلاب أساساً لن تحظى بأي تأييد على المستوى الإقليمي والدولي أو المحلي حتى، فجماهير الشعب السوداني تصدت للانقلاب الماضي ولن تتقبل أي انقلاب مرة أخرى، لكل تلك العاومل في تقديري، فإن حديث البرهان الأخير فقط لمجرد بث بعض الرسائل إلى من ساندوه في انقلاب أكتوبر ولكن وفقاً للمعطيات، وما سوف تنتهي إليه العملية السياسية، فإن تكرار تجربة الانقلاب تعتبر فكرة مستبعدة جداً.
سبل لتحصين الحكومة من الارتداد
وتبقى مسألة تربص قادة الجيش والقوات المسلحة بالحكومة المدنية واحدة من الشواغل التي تبحث القوى السياسية والمدنية عن حلول وسبل لتحصين الحكومة من الارتداد عن مسار التحول المدني الديمقراطي، ويرى مراقبون أن انقلاب “25” أكتوبر قبل عام ونصف، أثبت للكافة أن فرضية إسقاط الحكومات المدنية يظل واقعاً موجوداً ومتاحاً الانقلاب عليها في أي وقت في ظل التقاطعات السياسية الكثيرة، وتدخل المؤسسة العسكرية في العمل السياسي وتحالفات قادتها مع مجموعات مختلفة فاعلة في الشأن السياسي بالبلاد، غير أن الرهان على نجاح العملية السياسية التي تتجه نحو نهايتها في الوقت الحالي يفتح أبواب الأمل في انتهاء حقبة الانقلابات العسكرية وتعويق مسار التحول المدني الديمقراطي سيما وأن خروج المؤسسة العسكرية من العمل، السياسي يعد هو الغاية الأسمى والهدف الأساسي للعملية السياسية التي تقودها اللجنة الرباعية الدولية والآلية الثلاثية والقوى السيساية الموقعة على الاتفاق الإطاري، لذلك كله يبقى الأمل معقوداً على عدم تكرار عمليات تعطيل المسار الديمقراطي، كما ظلت تحدث طيلة سنوات عمر البلاد، فمنذ الاستقلال وحتى أكتوبر من العام قبل الماضي تدخلت المؤسسة العسكرية تحت دعاوى وقف تدهور البلاد، وتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية، والحفاظ على أمن واستقرار البلاد، وأجهضت ثلاث تجارب ديمقراطية وحكومة الفترة الانتقالية الأخيرة التي أعقبت ثورة ديسمبر المجيدة.
الإصلاح الأمني .. أهمية استصحاب حقوق الإنسان
ويرى خبراء مهما كانت الخطوات التي سيتم اتخاذها بعد ذلك، فإن أي علاج لعدم شرعية الانقلاب والعودة إلى النظام الدستوري يجب أن يتم تصميمه بحيث يتمثل هدفه النهائي في دولة ديموقراطية بالكامل لا تشارك فيها قوات الأمن في الأمور غير الأمنية، ويجب أن يسترشد أي إصلاح لقطاع الأمن بفهم حقوق الإنسان والبشر باعتبارهم أصحاب حقوق، وأن الجهات العسكرية والأمنية هي جهات تحتمل المسؤولية، بقدر ما يجب عليها احترام التزامات حقوق الإنسان وحمايتها والوفاء بها؛ ونظراً لأن الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي ومجموعة أصدقاء السودان عليهم أن يكونوا على دراية بحقيقة أن العودة إلى النظام الدستوري لا تعني ببساطة السماح للجيش السوداني بالتصرف مرة أخرى، وبصفته جهة فاعلة ذات مصلحة ذاتية، قد تحصن تفضيلاتها السياسية في أي وثيقة دستورية، وقد حدد آخرون طرقاً يمكن من خلالها حدوث هذا التحصين الدستوري الإجرائي والموضوعي، والمؤسسي، فمن الناحية الإجرائية، قد يصمم الجيش عملية ينتج عنها حتماً نتائج إيجابية لنفسه؛ ومن الناحية الجوهرية، يمكن للجيش أن يصنع لنفسه سلطات واسعة بموجب دستور جديد، وعلى المستوى المؤسسي، يمكن للجيوش أن تنشئ مؤسسات معادية للأغلبية، وتستمر في فرض تفضيلات السياسة العسكرية، إضافة إلى أن الجيش ومن خلال هذه العملية، وبعد أن يتخلى عن السلطة لحكومة مدنية وفي ضوء القوة القسرية للجيش