“المزايدات والتخوين”.. عرقلة أهداف الثورة ومهام الانتقال

الخرطوم – مهند عبادي
فشلت الحرية والتغيير وقوى الثورة الاخرى في إدارة الحكومة الانتقالية وتقديم نموذج مختلف في العمل التنفيذي والسياسي والحكم الراشد خلال السنوات الماضية وفي المقابل لم تنجح مساعي التغيير عبر الانقلاب على الشراكة مع الحرية والتغيير في أكتوبر الماضي من تصحيح المسار بحسب ما يتم الترويج له من قبل قادة الانقلاب، والمحصلة النهائية فشل طرفي الشراكة التي قامت عليها الوثيقة الدستورية في إدارة شأن البلاد وقيادة المرحلة الانتقالية بتوافق تام نحو نهايتها المؤدية إلى ترسيخ الحكم المدني وتحقيق التحول الديمقراطي في السودان، ولكن قوى الثورة والاحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة يقع عليها بحسب مراقبين النصيب الأكبر من اللوم لجهة أنها قوى مدنية سياسية يفترض أن تقدم برامج ومشاريع وقيادات مقنعة للجماهير وقادة على قيادة العمل التنفيذي وتطبيق شروط الانتقال بالقدر الذي يجنب البلاد مآالات الأوضاع التي ترزح فيها حاليا وهو الامر الذي لم يحدث بسبب انشغال هذه القوى السياسية والثورية بالصراعات وتغليب الأجندة الحزبية الضيقة على الأجندة الوطنية، وتدبيج حملات التخوين والمزايدة مما أتاح الفرصة لأعداء الثورة بمختلف لافتاتهم وجهاتهم من الاستفادة من هذه الأجواء المسممة وسط القوى الثورية وعرقلة مسار الانتقال والتحول الديمقراطي، وتجدر هنا الاشارة إلى إقرار خالد عمر يوسف “سلك” القيادي بحزب المؤتمر السوداني ووزير مجلس شؤون الوزراء السابق خلال ندورة قبل يومين بالامر وتأكيده على أن التخوين والمزايدة مسببات أساسية في اضاعة الثورة وتفكفك الكتلة المدنية.
ما حدث خلال الفترة الانتقالية من صراع بين المكونات المتحالفة ليس بالأمر الجديد على القوى السياسية المدنية في البلاد فهي على مر التأريخ ظلت تكرر نفس الأخطاء عقب كل الثورة وفي كل المراحل الانتقالية والديمقراطية حتى اصبح الأمر وكأنه الحقيقة الواحدة وعلى الرغم من ان الآمال كانت كبيرة هذه المرة وعقب ثورة ديسمبر المجيدة بالنظر الى حالة الائتلاف والوحدة وسط القوى السياسية والمكونات المختلفة إلا أن الامر سرعان ما تراجع وضاعت كل الآمال بتحالف سياسي وطني واعي بضرورات المرحلة والمطلوبات لقيادة الوطن في هذه المرحلة ، بعودة تلك الأحزاب إلى ذات الدائرة الجهنمية بانتقالها من “الصراع الى التحالف وبينهما التكتيك”،فبعد عودة الأحزاب إلى السلطة لم تفهم الدرس أو تقدم أطروحات ذات شكل فعال وظلت الحكومات الإئتلافية المكونة من أحزاب متناقضة ترزح في خلافات مستمرة ومؤثرة إنتهت بالانقلاب على الشراكة ، بينما يؤكد البعض أن المواجهات الحزبية – الحزبية سببا في فشل الاستقرار الديمقراطي حيث أن العامل المشترك المؤدي للقيام بالانقلابات العسكرية هو الحالة السياسية والتنازع الحزبي الذي أضعف المقومات الأساسية للحكم مشيرين إلى أن ذلك يرجع لطبيعة الأحزاب السياسية التي لم تكن تقدم المصلحة الوطنية على المبادئ الحزبية الضيقة والتصارع على السلطة وهو ما حدا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية للتدهور.
وفي الأثناء وصلت المزايدت والتخوين مرحلة خطيرة بحسب البعض برزت كظاهرة جديدة في السودان خلال الأسابيع الماضية من خلال العنف الذي تعرض له موكب قوى إعلان الحرية والتغيير الأخير في محطة باشدار بالديم وهو عنف مرفوض وجد الغدانة من قبل كافة الأطراف بما فيها القوى الانقلابية المناصرة لازاحة التغيير من المشهد ، وما حدث في باشدار يرجع بحسب الكثيرين إلى استعار حملات التخوين والمزايدة على ثورية بعض الأحزاب والكتل والقيادات ورموز قوى الثورة وهو مؤشر خطير قد يقود البلاد نحو هاوية ودوامة عنف لن تنتهي بسبب الاحتقان المسيطر على المشهد السياسي ، وخلال الأشهر الماضي توقع مراقبين أن تنجح القوى الرافضة للانقلاب والطامحة في استعادة المسار الانقالي في لملمة شعثها وتوحيد صفوفها لمواجهة الانقلاب بجبهة شعبية سياسية قوية سيما بعد الدعوات الكثيرة التي أطلقتها قوى الحرية وةالتغير ولكن الامر استعصى على التحقق بسبب دعوات فرز الكيمان وشيطنة الأحزاب السياسية والصراع المحتدم بين المكونات المخلفة الفاعلة في الساحة السياسية والطامعة في السيطرة على دفة قيادة الفعل الثوري وتحديد مسار الثورة نحو أهدافها وغاياتها وهو الذي قاد إلى المواجهة والعنف في موكب الحرية والتغيير الأخير،
ويؤكد مراقبون بأن وحدة القوى السياسية السودانية وفقا لميثاق سياسي ودستوري جديد ومركز موحد للقيادة تعد هي خطوة مفتاحية للحل، فتمثيل الأحزاب السياسية والحركات المسلحة استحقاق مهم، لكن خارطة الفعل الثوري والسياسي قد تغيرت بشكل جذري، لذلك من الضروري أن يتصدر شباب لجان المقاومة وضحايا الحروب من النازحين واللاجئين والقوى الاجتماعية التي خرجت من رحم الأزمة جهود وصيغ الحل، وهذه الخطوة مفتاحية يقرَّر على ضوئها مصير نجاح أو فشل الجهود الوطنية والإقليمية والدولية في هذا السياق الذي يشهد تداخلات سياسية داخلية وخارجية مكثفة.
وفي المقابل تقول بعض الأراء وسط شباب لجان المقاومة إن القوى السياسية بمختلف تنظيماتها لم تستطع مواجهة الإنقاذ مثلما واجه الثوار ولجان المقاومة الآلة القمعية للانقلابيين، وأنها كقوى ثورية يفترض ان تجلس مع بعضها ليس لأجل المزايدة السياسية وإنما لأجل استشراف المستقبل الثوري، وصولاً إلى استكمال كل أهداف الثورة، ومن هذا المنطلق يجب على القوى الثورية عدم التعامل بذات العقلية التي يتعامل بها الانقلابيون، وعدم شخصنة القضايا ومحاولة تخوين الآخرين التي ضيعت الثورة..