البرَّاق النذير الورَّاق.. يكتب “تجربة الحرية والتغيير “

(2)
عندما قامت اللجنة الأمنية لنظام البشير باستلام السلطة وسمَّت نفسها المجلس العسكري الانتقالي، كانت جموع من السودانيين في ميدان الاعتصام وفي غيره من المواقع داخلياً وخارجياً تنظر إلى الحرية والتغيير كقيادة تثق فيها نسبياً، واعتمدت عليها في تيسير نقل السلطة بشكل سلس يضمن مدنية الدولة كما وعدت بذلك في إعلان الحرية والتغيير الموقَّع والمُعلن في الأول من يناير 2019، وهو الإعلان الذي وحَّد الشعب السوداني خلف مطلب إسقاط نظام المؤتمر الوطني الذي جثم على صدر الوطن لثلاثين سنة. وحقيقة الأمر أن مجاميعاً من الشعب السوداني لم تكن تضع الثقة الكاملة في قوى الحرية والتغيير، بل كانت حالتها أقرب للرجاء بأن تستكمل هذه القوى مهمة تسلم السلطة من اللجنة الأمنية بالشكل الذي تواثقت عليه مع بعضها ومعهم، ولكن قوى الحرية والتغيير عملت على تزيين قدرتها وسط جموع الشعب السوداني بوصفها المُخلِّص والمُنجد، والعامل الناقل الوحيد المؤهل لنزع واستعادة البلاد من سلطة الإنقاذ، وحملها نحو سلطة مرحلية ترفعها إلى مصاف الدول التي تحترم مواطنها وتطلعاته ورغباته في الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام المستدام؛ كما طرحت مشاريعاً وأفكاراً وخططاً وتعهدت بوعودٍ، هي في الواقع فوق طاقتها وإمكانياتها. الحقيقة أن الشعب كان يبحث عن الصورة الزاهية التي يحلم بها، لمجتمع محترم ودولة ناهضة عبر قيادة رشيدة، وكانت قوى الحرية والتغيير هي الأقرب لقلبه وأذنه لتحدثه بأن حلمه يتحقق باستماعه لها وإتباعها.
وبدلاً عن مطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة للقيادة الشعبية الثورية، قبلت قوى الحرية والتغيير الجلوس على طاولة التفاوض مع اللجنة الأمنية لنظام البشير وفق مُسماها الجديد (المجلس العسكري الانتقالي) أو المكون العسكري لاحقاً؛ ومهما رُصدت التبريرات لذلك، يظل هذا خطأ ابتدائياً جرَّ ما تلى ذلك من أخطاء ساهمت في وصول البلاد لما هي فيه اليوم، فقد صار العسكريون من يومها شركاء في المنشط وغرماء في المكره وعلى طول الخط.
يُتبع