الموسيقار الموصلي في حوار جريء.. الناس قاعدة في الكيبورد ومدورة (بل بس) . – التايمز نيوز
مقالاتمنوعات وفنون

الموسيقار الموصلي في حوار جريء.. الناس قاعدة في الكيبورد ومدورة (بل بس) .

انت كفنان جواك حمامة سلام كيف تدعو للحرب؟

في زمنٍ تتنازع فيه الأصوات بين رعد الحرب وهمس الفن، يخرج صوت الموسيقار يوسف الموصلي كنسمةٍ من شجن، يخاصم الصخب ويغنّي للوطن لا للفرقاء.
يجلس على ضفة الموسيقى، يعزف للحياة في وجه الموت، ويؤمن أن الكمنجة يمكن أن تكون أبلغ من البندقية.
في حديثه صدق الفنان وجرأة المثقف، وفي نبرته حنينٌ إلى وطنٍ يتآلف على اللحن قبل أن يتنافر على البندقية.

عندما كنا نستعد لمغادرة فندق بريميدز بالقاهرة عقب تغطية صحفية، لمحنا الموسيقار القامة الدكتور يوسف الموصلي مرتدياً الزي السوداني الذي ميّزه عن الأجانب المحيطين به. فبما عُرف عن السودانيين من دفء، قصدناه وطلبنا أن نشاركه فنجان قهوة، فكان لقاءً سودانياً وليد الصدفة.. فإلى نص الحوار.

حوار ـ سعدية إلياس ـ وصال فاروق ـ أماني أبوفطين
تصوير ـ سامرخالد عثمان

هل إقامتك ستطول بالقاهرة؟

وصلت إلى القاهرة قبل أيام للمشاركة في مهرجان الموسيقى وسوف أمكث حوالي ستة أشهر تتخللها زيارات إلى السعودية والإمارات ولندن قبل العودة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وفي إطار التحضيرات للمهرجان سنحت لي الفرصة لتقديم محاضرة في دار الأوبرا المصرية قبل أيام عن تحويل الموسيقى إلى أرقام الديجيتال وظهور الذكاء الاصطناعي واستخداماته في الموسيقى وتأثيره على الفن.
وأنا أعتقد أنه سيؤدي إلى كارثة مثلها ومثل الأيقونات، لذلك لابد من استغلاله بالشكل الأمثل حتى يؤدي إلى تطوير الموسيقى.

هل تعتقد أنه ممكن يقدم إضافة للأغنية؟

الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان به غباء، أو بمعنى آخر إذا أدخلت له طلباً أو معلومات خاطئة سوف يعطيك إياها بشكل خاطئ، لذا ينبغي التعامل معه بحذر شديد، خاصة وأنه غير مبرمج على اللغة السودانية.

هل تفتكر أن الفنانين استفادوا من هذا التطور؟

أعتقد أننا كفنانين سودانيين واكبنا التطور واستفدنا منه كثيراً، ولكن فقط ينقصنا رأس المال، حيث لا زلنا نعاني من نظرة الحكومات للفنون التي تنظر إليها بأنها شكل من أشكال الترف الحضاري، والسياسيون لا يفهمون في الفنون.
والدليل على ذلك أن ميزانية وزارة الثقافة في السودان ضعيفة جداً، بينما يمكن أن تكون ميزانية مسلسل تلفزيوني مصري واحد أضعاف ميزانية الوزارة بعشرين مرة.

وأذكر هنا أنني وقبل عشرات السنين تحدثت مع القادة في التجمع الوطني الديمقراطي في القاهرة، وكان عندنا حفلة أنا ووردي ومصطفى سيد أحمد، وقلت للدكتور أحمد السيد حمد: (هسي تعالوا شالين عكاكيزكم، لكن لما تمشوا مكاتبكم ما بنقدر نقابل سكرتير واحد فيكم).
وكان رجل فاضل وضحك جداً.
ونفس الكلام دا قلته للبرهان قبل الحرب بسنتين عندما اجتمع بنا في مكتبه ومعي نجم الدين الفاضل وعبدالقادر سالم وعمر إحساس وزكي عبدالكريم وإنصاف فتحي.
وهم كانوا يتحدثون معه: يا سعادة الرئيس… لكن أنا قلت له: أنا كلامي ما حيعيجبك، ولكن ما أنت فقط المعني بالكلام دا، لأن كل الحكومات السابقة منذ الاستقلال تتعامل مع الفن كترفٍ حضاري لا كضرورةٍ وطنية.

الفنانين دائماً هم الفئة الأقرب للشعب، ولكن الحرب أظهرت انقساماً في الرؤية للسلام؟

في تضارب كتير في العملية بتاعت الفهم الفني. ولكن الفنان إذا لم ينحاز للسلام ما بكون فنان، وهذا طبعاً أمر محسوم ولا خلاف عليه. الإنسان أساساً ماذا يحتاج في حياته سوى أن يكون في سلام واستقرار اقتصادي واجتماعي ومتوفرة له الحقوق التي لا تتعدى على الآخرين.

وأنا من زمنٍ قمت ضد الحرب وغنيت:
(بلدنا نعلي شأنها وسودانا نادانا ونحلك يا قضية من غير صوت بندقية وأخوي خليك معايا بدل ما تكون عليّ يا الحارسين حمانا بعزة وأمانة أريتو يسيل عرقنا بدل ما يسيل دمانا)

وهذه الأغنية تُغنّى منذ عشرات السنين من بعد انقلاب 1989 وما زالت حتى الآن تُغنّى.
وأنا أعتقد أن الشعب السوداني لا يستحق ما يحدث من كل الجهات المتعاركة، فهو شعب جميل وطيب وكريم: “الواحد لو جاع بياكل عند الجيران”، وحالياً أصبح مشرداً ويعاني بفعل الحرب، والأطفال خارج المدارس.

الناس ماتوا يا دكتور؟

أنا كمان كان ممكن أكون في اعداد الموتى.
في بداية الحرب عندما كنت في مربع عشرين بالأزهري تم قصف العمارة جنبنا بمسيرة، ورأيت طفلاً من أطفال الدعم السريع يموت. وقتها عرفت أن الحرب لن تتوقف.
هذا ما قلته لأبناء أخواتي الذين يعملون مع إحدى القوات النظامية، وكان وقتها معظم أسر الدعم السريع استوطنوا في الخرطوم.

البلد دي عشان تمشي لقدام محتاجة يعمّها سلام كامل، ولا يهمني منو يكون الرئيس إذا جاء بانتخاب.
يعني لو عمر البشير جا بالانتخابات وفاز والله أديهو التحية.
أكثر ما يهمني أن يكون الشعب راضياً عمّن يحكمه ويتحمل نتيجة اختياره، لو طلع كويس ولا كعب.

ولكن هذه الرؤية غائبة لأغلب الفنانين الذين يدعمون استمرارية الحرب؟

أي نعم، في فنانين دايرين الحرب! أنا مستغرب!
انت مفروض يكون جواك حمامة سلام ترفرف داخل صدرك، كيف تخرجها صقور للناس؟!
ده كلام ما بجي.
أنا لا أشكك في نوايا الناس، ولكن الفنان الكويس هو الذي لا ينحاز لأي جهة، فقط يحب أطفال السودان ونساء السودان وآباء وأمهات السودان — وده الإنسان الطبيعي.
وإذا في أحد قال الحرب ستنتهي بانتصار واحد من الطرفين يبقى واهم.

الحرب جات على الناس الغلابة والبسيطين. أي زول بحب الشعب السوداني عايزو يكون في سلام.

نحن كنا معارضين في القاهرة.
جون قرنق كان بحارب في البشير عشرين سنة، وفي الآخر قعدوا مع بعض واتفقوا على السلام وأصبح نائباً لرئيس الجمهورية.
وجبريل بعد المفاصلة التي حصلت مع الترابي تحولوا للمعارضة ضد البشير، والآن هو يقاتل معهم في صفهم.

انتو كفنانين كبار دوركم كان ضعيف تجاه التوعية بأهمية السلام؟

اتهامك ما في محلو.
أنا بعد الحرب ألفت عشرين أغنية، غناها عشرين فنان عن السلام.
وعندنا قروب “المبدعون السودانيون” به مختلف الانتماءات السياسية وممنوع الكلام عن الحرب، فقط عن السلام.
فقد نكون مختلفين معاك سياسياً، لكن لابد أن نجد الحد الأدنى للاتفاق وتكون هناك رؤية للوصول للسلام.

هل الأفضل حالياً إنه نجيب أربعة صواريخ، اثنين للدعم السريع واثنين للجيش؟
ولا الأفضل نجمع سعر هذه الصواريخ ونبني بها مدارس ومستشفيات؟!

وبالنسبة الخرطوم، لازم يُعاد بناؤها، وأن لا نطالب بالعودة إليها في بيئة منتهية.
رسالتي من هنا للناس خلف الكيبورد سواء كانوا في القاهرة ولا تركيا ولا السعودية ولا الإمارات، والبدعوا الناس بالعودة وبدعوا لي (بل بس): أرجعوا انتو أولاً بأطفالكم ودوّروا في إعمار البلاد.

وأنا أعتقد جازماً أنه ما في سلام يتحقق عن طريق الحرب.
وناس (بل بس) ديل أنا شغال معاهم ولكن هناك عدم فهم ووعي.

ومحجوب شريف قال: «بدل طلقة.. كمنجة».

من 1ــــــ2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى