فاطمة سمهن … “أجنحة النساء في زمن الحرب” ..بقلم “سماح طه”

في قلب العاصفة السودانية التي لا تهدأ، وبين أزيز المدافع وصرخات النزوح والدموع، يطل اسم الدكتورة فاطمة أحمد مصطفى سمهن كنافذة ضوء وسط العتمة، وكجناح امرأة قررت أن تحمل معها أحلام آلاف النساء السودانيات اللواتي وجدن أنفسهن بين نيران الحرب وتيه اللجوء. فاطمة ليست مجرد ناشطة أو مديرة لمنظمة، بل هي ابنة إرث ممتد من أم عظيمة هي الأستاذة زينب محمد نور، أول معلمة من بنات الإقليم الشرقي، ورائدة من رائدات الحركة النسوية منذ أربعينيات القرن الماضي. ذلك الإرث لم يكن مجرد حكاية عائلية، بل تحوّل في حياة ابنتها إلى مشروع نضال طويل، حملت اسمه في منظمة زينب، لتكون امتدادًا لرسالة التعليم والتمكين والكرامة.
سنوات طويلة من العمل التنموي والحقوقي جعلت العالم يلتفت إلى هذه المرأة السودانية القادمة من بلد أنهكته الصراعات، لكنه أنجب نساء قويات. نالت فاطمة مؤخرًا جائزة “أميليا إيرهارت” العالمية، التي جاءت تكريمًا لمسيرتها وإصرارها على أن النساء لهن أجنحة، أجنحة من أمل وعمل وعطاء. ولم تكن تلك الجائزة إلا حلقة جديدة في سلسلة من التكريمات، فقد سبقتها جوائز عالمية من مؤتمر المناخ في بون، ومن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومن بنك التنمية الإسلامي، ومن قمة ريو+20. جوائز لم تغير مسارها، بل أكدت أن ما تفعله على الأرض في السودان ومعسكرات اللجوء وفي مصر له صدى عالمي حقيقي.
ورغم الحرب وما جلبته من خراب وتشريد، واصلت منظمة زينب عملها بلا كلل. أطلقت مبادرات في القاهرة عبر شراكة مع المجلس المصري متعدد الثقافات، صنعت آلاف الوحدات من الفوط الصحية الدائمة لتوزع على النساء السودانيات اللاجئات، دعمت المراكز التعليمية، وقدمت الغذاء للأسر الأكثر حوجة. وفي شرق تشاد، حيث يقبع الآلاف من أبناء السودان في معسكرات النزوح، وجدت المنظمة طريقها لتكون سندًا، دعمت الطلاب خلال امتحانات الشهادة، ووفرت لهم الطعام والسكن والتنقل، وحولت المأساة إلى مساحة صغيرة من الأمل.
لكن فاطمة لم تكتفِ بالعمل الميداني، بل قررت أن تحمل صوت النساء السودانيات إلى العالم. في مؤتمر “فيمنيت” بنيروبي، تحدثت عن معاناة شعبها وعن الصمت الدولي الذي يضاعف نزيف الجرح، طالبت بوقف إطلاق النار، بحماية النساء من العنف الجنسي الذي تحوّل إلى سلاح حرب، بتمويل مباشر للمنظمات المحلية التي تقف في الصفوف الأولى، وبإشراك النساء في صناعة السلام. كلماتها لم تكن خطابًا عابرًا، بل صرخة من قلب امرأة تعرف أن النساء في بلدان الحروب لا يحتجن إلى الشفقة بقدر ما يحتجن إلى الشراكة والاعتراف. وفي جوهانسبيرج، في مؤتمر حوار المرأة الأفريقية، واصلت رفع الصوت نفسه، مؤكدة أن السودان جزء من القارة، وأن معاناته يجب أن تكون قضية أفريقية مشتركة لا مجرد شأن محلي.
إنجازات الدكتورة فاطمة سمهن ليست مجرد محطات تضاف إلى سيرتها، بل هي شهادة على أن الإصرار يمكن أن يصنع فرقًا، وعلى أن النساء، حتى في أقسى الظروف، قادرات على نسج خيوط حياة جديدة من رماد الحرب. هي واحدة من تلك الأرواح التي تثبت أن الوطن يمكن أن ينهض على أكتاف النساء، وأن الأمل يمكن أن يولد من رحم الألم، وأن الأجنحة التي تتحدث عنها الجوائز العالمية ليست رمزًا بعيدًا، بل حقيقة تتجسد في نساء مثلها، يرفعن أجنحة العطاء فوق وطن منكوب، ليبقى حيًا رغم كل شيء.