الدولة الزائفة! بقلم… رشان أوشي

في مواجهة مشروع إقليمي متشابك تسعى من خلاله قوى المال والسياسة إلى إخضاع الإرادة السودانية؛ جاء الموقف السوداني ثابتاً وواضحاً، كما عبّر عنه عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش الفريق أول ياسر العطا، الذي أعلن أن السودان لن يخضع لمحاولات الهيمنة الإماراتية – الإسرائيلية، ولن يسمح بأن تُختطف إرادته الوطنية تحت أي غطاء اقتصادي أو سياسي.
ذلك التصريح لم يكن لاستهلاك المنابر، بل تجسيداً لموقف الدولة السودانية؛ فهي ليست، كالإمارات، مجرد حدود ترابية ومبان شاهقة، بل وعي جمعي متجذر، وهوية تاريخية تتشكل في رحم الذاكرة الوطنية، ومجتمع يملك سرديته الخاصة عن الوجود والمعنى والمصير.
أما الإمارات العربية المتحدة فهي ليست دولة، وإنما تشكيل اجتماعي هش، يقوم على رمال متحركة أكثر مما يقوم على بنية وطنية صلبة. فالمواطنون الأصليون لا يتجاوزون عشر المقيمين على الأرض، والبقية فسيفساء بشرية عابرة جاءت بحثاً عن العمل أو اللجوء إلى رفاه مصطنع تنتجه الثروة النفطية.
تحولت الكثبان الرملية إلى أبراج من الإسمنت والضوء، لكنها ظلت بلا جذور، بلا روح، بلا سرد تاريخي مشترك.
والإنسان الذي يعيش داخلها يعاد إنتاجه كمستهلك مطيع، مستلب الإرادة، ومحروم من الوجدان الجمعي الذي يصنع معنى الوطن.
حتى أدوات السيادة نفسها لم تعد محلية؛ فالجيش المؤتمن على حدود الوطن مستورد من الخارج، جنوده من مرتزقة جُلبوا بالمال، يدافعون عن دولة لا يعرفون نشيدها ولا لغتها.
الإمارات دولة زائفة تتقدمها المظاهر وتغيب عنها المقومات.
أما الثروة، فهي ليست وطنية المنشأ ولا وطنية الغاية؛ فالإمارات خزانة للأموال اليهودية العابرة للقارات، تديرها عقول مجنسة تابعة لمراكز القرار الإسرائيلي، تعيد هندسة وعي البدو الذين تحولوا إلى أسرى رفاه بلا سيادة.
لقد صارت الإمارات، عملياً، الذراع الاقتصادية والسياسية لإسرائيل في المنطقة، تعمل على بسط نفوذها في إفريقيا عبر أدوات المال والإعلام والاستثمار، مستهدفة الشعوب التي لم تكتمل بعد شروط نهضتها، لتعيد تدوير استعمار جديد بأقنعة ناعمة.
إن محاولة الاستيلاء على دارفور ليست سوى فصل من مشروع قديم يتجدد، مشروع صهيوني الجوهر، إماراتي التمويل، غربي الرؤية، كان واضحاً، خاصة عندما دعمت إسرائيل حركة عبد الواحد محمد نور، وفتحت لها مقراً في تل أبيب، ومنحت المئات من منسوبيها لجوءاً سياسياً.
وهكذا تتجلى الحقيقة،إن السودان اليوم، بموقفه السيادي، لا يواجه الإمارات كدولة، بل يواجه مشروعاً أكبر، يحاول أن يفرغ معنى الدولة من مضمونها الوطني. ولذلك فإن رفضه ليس خصومة آنية، بل موقف مبدئي من استعمار جديد بأدوات ناعمة.
فكل ما يملكه السودان اليوم، رغم الجراح، هو ذاكرة المقاومة ووجدان السيادة، وهما أقوى من كل رمال تُبنى فوقها مدن بلا روح.
محبتي واحترامي.



