هاشم صديق… شريط من الإبداع لا يقبل القسمة إلا على نفسه كتبت: سماح طه

في ذلك المكان الواقع في ١١٦ شارع محمد فريد، الطابق الثالث تحديدًا، دخلتُ لأجد الجميع في حركة نابضة بالحماس. تتنقل النظرات بين الوجوه والديكورات، كأننا داخل عرضٍ حيّ لا يتوقف.
في الصالة الخارجية، كانت انتصار محجوب (بيرين) وزهير حسن أحمد غارقين في بروفةٍ مشحونةٍ بالطاقة، ينسجان الأدوار تحت عينَي المخرج محمد عليش وبتوجيهاته الدقيقة. وفي الصالة الأخرى، جلس كبار رموز المشهد الفني — عبادي، وحربي، وموسى الأمير، وكتيابي — يتأملون الأوراق بين أيديهم بتركيزٍ عميق، كأنهم يفتشون فيها عن نبضٍ غائبٍ أو صدى بعيدٍ لصوتٍ مألوف.
وفي زاويةٍ أخرى، كانت هند زمراوي، وهبة حسن صالح، ورحاب إبراهيم، يضفن للمكان بهجةً خاصة وحضورًا أنيقًا، يملأن الأجواء بحماسٍ يشبه نبض العروض الأولى.
الكل يتحرك، الكل متحمس، فالمناسبة ليست عادية. إنهم يُعِدّون أنفسهم لتأبين شاعرٍ كان صوته مرادفًا لوجدان هذا الشعب، من ” نبته حبيبتي ” إلى “ملحمة أكتوبر”…
إنه هاشم صديق — شريطٌ طويل من الإبداع والمواقف التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها. شاعرٌ لم يساوم على الكلمة،” لان الكلمه شرف الرب” كما قال ولم يُبدِّل مواقفه كما تُبدَّل المواسم. ظلّ وفيًّا لنبض الناس، مؤمنًا بأن الوطن ليس مجرد أرض، بل إحساسٌ يسكن الحروف ويُضيء الذاكرة.
وفي التاسع من نوفمبر هذا الشهر، يوم الأحد القادم ،للعام ٢٠٢٥م نحن جميعًا مدعوون إلى دار تجمع الفنانين السودانيين؛ ذاك المكان الذي قد تضيق جدرانه بنا عددًا، لكنه لا يضيق بنا روحًا. فالقلب هناك واسعٌ كالحلم، يحتضن الجميع على اختلاف مشاربهم، لأن ما يجمعهم أكبر من التفاصيل — يجمعهم الإبداع، ويظل الفن هو الرابط الأسمى الذي يعلو فوق كل الفوارق، ويضع الكلمة واللحن واللون في مكانةٍ ساميةٍ تليق بجلال الوجدان السوداني.
هاشم صديق… لم يرحل، لأنه ترك فينا ما لا يموت — حروفًا من نور، ومواقف من صخر، وصوتًا سيظل يردد في ذاكرة الوطن
من نبتة حبيبتي إلى ملحمة اكتوبر الي الزمن و الرحلة سيبقى الشعر جواب مسطر للبلد فينا نبضا لا يموت


