الحرب الناعمة: من يقودها ومن يدفع ثمنها؟ ..الوخز بالكلمات بقلم: “سعدية إلياس”

لم تعد الحرب اليوم تُخاض فقط في ميادين القتال، بل تُدار في غرف مغلقة مدفوعة الأجر، عبر حملات ممولة توجهها مؤسسات إعلامية ومنصات رقمية بمبالغ خرافية. هذه الحملات لا تعتمد على الصدفة، بل تُبنى وفق خطط دقيقة تستهدف شرائح محددة من المجتمع، وتُختار أدواتها بعناية حسب طبيعة الجمهور المستهدف.
في هذا النوع من الحروب، تُستخدم الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي كميادين قتال ناعمة، حيث تُزرع الأفكار والمواقف كما تُزرع الألغام في أرض المعركة. ومن لا يمتلك القدرة على تمويل حملته أو الدفاع عن فكرته يختفي صوته وسط ضجيج المال والنفوذ.
ولكل فئة من فئات المجتمع من يُخاطبها بلُغتها؛ فالبسطاء تُوجه إليهم رسائل عبر شخصيات فنية أو درامية محبوبة، تُستغل ثقتهم ومحبتهم لتسويق أفكار معينة. بينما تُصاغ حملات أخرى بعناية لاستهداف الطبقة المتعلمة والواعية، لكن الأخيرة غالبًا ما تكون أقدر على التمييز والتفكير بعقلها لا بعاطفتها.
ودائمًا ما تُكال الشتائم والإساءات للجهات أو الأصوات التي تحاول كشف هذه المخططات. فبمجرد أن يفضح أحدهم التلاعب بالعقول، تنهال عليه موجات من الهجوم الممنهج عبر حسابات وهمية يديرها شخص واحد بعدة أسماء مزيفة، بهدف تشويه صورته وإسكاته.
فرجاءً: لا تكن من البسطاء. من يشعلون نيران الحرب لا وجود لهم على أرض الواقع؛ هم غائبون عن التجربة الحقيقية للحرب، وأهمّ ما يملكون — بل أبناؤهم — يرقدون في ترفٍ ونِعمٍ، بينما يُصارَع غيرهم وتُؤْكَل لحومهم.
هذه هي الحرب … حرب تُدار من خلف الشاشات، لا تُرى بالعين، لكنها تترك جراحًا أعمق من الرصاص. الوعي هو السلاح الوحيد الذي لا يمكن شراؤه، وهو ما يجب أن نحمله في وجه كل من يحاول سرقة عقولنا قبل أوطاننا.



