التخصصية أصل المؤسسية.. ”في حب الكيان” ..بقلم” الشريف كروفل”

لا أهتم بالكتابة عن الشأن الفني لأنني أعي تماماً أنه مهما اجتهد كاتب ، فلن يفهم في الشأن الفني أفضل من مدرب مارس كرة القدم ثم درس التدريب ونال الشهادات بالتدرج من أصغر شهادة حتى أعلى شهادة تسمح له بتدريب الأندية والمنتخبات .
فالمدرب الشاطر هو الذي يختار طرق اللعب التي تتناسب مع إمكانيات لاعبيه الفنية ، فكل طريقة لعب تحتاج إلى لاعبين بمواصفات محددة ، وأحياناً قد يختار المدرب طريقة على حسب المنافس الذي يلعب أمامه . كذلك ، فإنه لا يوجد فريق يحدد أسلوبه هجومياً أو دفاعياً ، ولكن قيمة اللاعبين هي التي تحدد ذلك . فالفريق صاحب الأسلوب الدفاعي يمكن أن يحرز هدفاً واحداً ويخرج منتصراً ، أما الفريق الذي يتميز بالهجوم فيمكن أن يستقبل أهدافاً ويخرج أيضاً منتصراً. ولكن تظل الأندية القوية وأندية البطولات هي من تتميز دفاعاً وهجوماً .
لذلك ، فإن من يطالبون بأن يكون للمريخ أسلوب هجومي أو دفاعي ، فإنهم يطالبون بنصف فريق ، والأصل هو المطالبة بفريق متميز دفاعاً وهجوماً ، وتلك هي سمات الفرق التي تصعد المنصات وتتوج بالبطولات . ومن هنا نقول إن أهم عوامل التطور والتقدم هي أن يقوم كل فرد من أفراد المجتمع بالدور المنوط به ، و يجب عدم التدخل في عمل الآخرين إلا بالنصح والإرشاد بالحسنى ، وبالطريقة والأسلوب اللذان لا يضران .
ذكر لي أحد الأصدقاء المقيمين الآن في أمريكا بأنه إذا تعطلت ماسورة أو لمبة كهرباء ، فإن المختص هو من يصلحها . أما نحن ، فمن أجل توفير مبلغ بسيط ، يمكن أن نقوم بعمل يتسبب في أضرار أكبر ، وربما نخسر أضعاف ما كنا سندفعه لو قمنا باستدعاء المختص منذ البداية . بل وصل البعض لدرجة التدخل حتى في الشأن الصحى ، فقد أصبح من الطبيعي أن ينصح شخص ما ، مريضاً بشراء علاج معين لأنه عانى من نفس الأعراض حصلت له أو لأحد من معارفه .
إن مجتمعا بهذا الفهم ، طبيعي جدا أن يكون له رأي فى كل شىء ويتدخل في كل شيء . و إذا أردنا أن نعرف أهم أسباب مشاكلنا في الحياة ، فهي عدم التخصصية و عدم احترام التخصصية .
من ينظر إلى كشف المريخ الحالي يلاحظ أن معظم اللاعبين الآن هم لاعبو منتخبات ، سواء في المنتخب السوداني أو من المحترفين في البلدان التي ينتمون إليها . والمعروف أن اللاعب الذي وصل إلى مرحلة تمثيل بلاده هو لاعب مميز ، لانه اذا لم يكن كذلك لما وصل إلى درجة ارتداء شعار بلاده . والحمد لله رب العالمين ، قد شاهدت جماهير المريخ معظم المحترفين وهم يقدمون مستويات رائعة مع منتخباتهم ، ولا أظن الآن أن هناك من يستطيع أن يدعي ويقنع غيره بأن لاعبي المريخ الحاليين أنصاف مواهب .
هؤلاء اللاعبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 23 سنة هم شباب صغار أصحاب مواهب كبيرة ، ولذلك يجب على جماهير وإعلام المريخ أن يقوموا بالدور المنوط بهم حتى يتم بناء المريخ الذي يهز الأرض بالطول والعرض ، المريخ الذي يحلم به صفوة الزعيم . لذلك فإن المطلوب من الجماهير والإعلام الصبر وعدم استعجال النتائج ، فالبناء لا يكون بين ليلة وضحاها ولا فى أسابيع اوشهور ، بل يحتاج لسنوات. أما الحكم على الجهاز الفني من أول خسارة واللاعبين من أول مباراة ، فهذا مفهوم سيعيد المريخ إلى المربع الأول من عدم الاستقرار الفني والإداري الذي ظل يعاني منه منذ سنوات .
لقد وضح تماماً أن العيب ليس في المجالس ولا في الأجهزة الفنية ، ولكن العيب فينا نحن الذين نستعجل النتائج فلا نمنح الوقت الكافي للعمل حتى تظهر النتائج . لذلك يجب أن نستفيد من كل التجارب السابقة حتى يخرج المريخ من أزمته . لاعبو المريخ الحاليون ، الصغار أصحاب المواهب الكبيرة ، يحتاجون إلى وقت كافٍ للانسجام وتوظيف إمكانياتهم الفنية بوضع الخطط التي تناسبهم ، ومنح الوقت الكافي لتطبيق تلك الخطط وتنفيذها على أرض الواقع . وإجادة التنفيذ تحتاج إلى المزيد من التجارب حتى نصل إلى مرحلة الامتياز والإتقان .
لاعبي المريخ الحاليين يتمتعون بلياقة بدنية عالية لأنهم لم يتوقفوا عن النشاط ، فقط يحتاجون للانسجام والتعاون والعزيمة والإصرار داخل الميدان ، و يحتاجون أكثر إلى الدعم والمساندة والصبر من الجماهير والإعلام .
وهنا نطرح بعض الأسئلة:
هل سيستفيد أهل المريخ و يتخلوا عن كل الأخطاء التى جعلت النادى في دوامة من عدم الإستقرار الإداري والفني في كل السنوات الماضية ؟
هل سيدعم كل جمهور وإعلام المريخ المجلس والجهاز الفني واللاعبين و يساهم الجميع في خلق أجواء النجاح؟
هل سيتحلى جميع أهل المريخ بالصبر ويمنحون الوقت الكافي لبناء المريخ الذي يهز الأرض بالطول والعرض؟
هل سيلتزم كل فرد في مجتمع المريخ بدوره و يلتزم عدم التدخل الضار بتخصصات غيره؟
فإذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة بـ “نعم”، فلا شك أن المريخ الذي نحلم به قادم وفي أقرب وقت ، فعلينا اذن بالصبر والدعم ، ولا شيء غير ذلك .
وعشت يا مريخ موفور القيم
ناهض بالعزة والوحدة والفهم والفكر السليم خفاق العلم