“حكومة الأمل”.. هل يتسرب من بين يديها الأمل؟ بقلم.. محمد الحسن محمد نور – التايمز نيوز
رأي

“حكومة الأمل”.. هل يتسرب من بين يديها الأمل؟ بقلم.. محمد الحسن محمد نور

في مقالنا السابق، بعنوان «من أين تبدأ حكومة كامل إدريس؟»، رسمنا ملامح البداية المنطقية التي لا نرى بديل عنها، والتي كنا نأمل أن تتبناها الحكومة الجديدة. كبداية حقيقية تنطلق من خطاب يحدد عمر هذه الحكومة بوضوح، ويضع أهداف المرحلة في جداول زمنية محددة، مصحوبة ببرنامج تفصيلي معلن، ثم تكليف كل وزارة بوضع خطة عمل مربوطة بآليات للتنفيذ والمتابعة والمساءلة. تلك كانت مرتكزات البداية الصحيحة: أن تكون الحكومة أداة مؤسسية فاعلة، لا مجرد سلطة فوقية تصدر التوجيهات المرتجلة وتعتمد على دق طبول الحماسة، التي سرعان ما تصطدم بواقع أليم وتتحول إلى فشل وإحباط… وربما أسوأ من ذلك.

لكن، للأسف، جاءت البداية على غير ذلك، (وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا). فقد اتجه الدكتور كامل إدريس إلى ممارسة سلطته كفرد، متجاوزًا ما وعد به من مسار تشاركي ومؤسسي. وبدلاً من التركيز والانضباط، بدأنا نُفاجأ بتوجيهات فردية متفرقة، متزامنة مع الفوضى المصاحبة لملف العودة الطوعية.
الكل يدرك أن هناك الكثير من الملفات خدمية العاجلة، كتحديد موعد بدء العام الدراسي، أو تمديد التقديم للجامعات، أو إطلاق حملات الخريف، الا أن التوجهات التى تصدر من رئيس الوزراء وحده وهو من يدير كل تفصيلة بمفرده، متجاهلا الوزارات المختصة التى كونها، انما هي إشارات مقلقة تشير إلى عودة نمط الدولة الفردية التي ظننا أننا تجاوزناها، وهي ذاتها التي ظللنا ننتقدها لعقود طويلة.

لم يكن ذلك مجرد تضييع لوقت ثمين فحسب، بل هو مؤشر على غياب الرؤية الكلية، أو تجاهلها ، وتفريط فادح في ترتيب الأولويات الوطنية، وأهمها إعلان أهداف المرحلة، وتنظيم خطة مدروسة لعودة النازحين قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، مصحوبة ببرنامج إغاثة واستقرار.
كان من الأوجب أن تبدأ الحكومة في معالجة جذور الأزمة بإرساء دعائم الفيدرالية، وتدشين خطاب سياسي جديد، يخاطب جذور المشاكل ويعبّد الطريق نحو بناء الثقة وتوحيد الجبهة الداخلية، وهي الشرط الأساسي والأول لأي تفاوض متكافئ مع الخارج.

وبينما تواصل حكومة الدكتور إدريس إطلاق الوعود وتوجيه الخطابات المتكررة، واستدرار الدعم الشعبي بالأساليب القديمة التي فقدت فاعليتها، وبينما يستمر التباطؤ في تشكيل البنية المؤسسية وتفعيل مفاصل الدولة، يحدث حولنا ما هو أخطر، بل ما هو مصيري: فقد أعلنت واشنطن عن اجتماع رباعي يضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، لمناقشة الوضع السوداني والبتّ في مساره. يحدث ذلك تجاهل تام لحكومة السودان. وكأن السودان قد فقد حقه في السيادة على قراره وأرضه ومصيره.
إن التمهيد ومسرحيات العقوبات الأمريكية، والبيانات المتعددة التي صدرت عن واشنطن، كلها تصبّ في اتجاه فرض تسوية ( دولية،) تُعيد إنتاج المعادلة المختلة التي تضع المليشيا على قدم المساواة مع القوات المسلحة، وتتعامل مع الأزمة بمنطق الوصاية، وكأن الخراب قدرٌ مقدر لا خيار لنا في تجاوزه، مما يجعل من بلادنا وثرواتها احتياطياً لغيرها.

تجاهل هذا التهديد والانشغال بالتوجيهات الإدارية الجزئية لا يعني فقط قصر النظر، بل قد يكون انتحارًا سياديًا وسياسيًا. فالحكومة إن لم تتحرك اليوم، بإعلان أهدافها العاجلة، وتدشين خطة وطنية جامعة تبدأ بترميم الجبهة الداخلية، وتفعيل كل أدوات الدولة وعلى رأسها وزارة الخارجية (التي لم تبدأ عملها بعد)، فإن واشنطن ــ المتأهبة دائمًا ــ لن تنتظر أحدًا، ولن تميّز بين زيد وعمرو ، فهى لا تهتم بغير اغتنام الأرض وثرواتها.

لم يعد مقبولاً أن نظل متفرجين على تقرير مصيرنا في غرف مغلقة لا تمثلنا. ولم يعد مقبولاً أن تتمخض حكومة الأمل فتلد فأرا وتغدو مجرد امتداد إداري لحكومات سابقة، فيما تقف البلاد عند مفترق طرق لا يحتمل التأخير. السودان يُعاد تشكيله الآن… إما بنا، أو بدوننا.

ومن هنا، فإن أول خطوة على طريق النجاة، هي أن يعود الدكتور كامل إدريس إلى ما وعد به: حكومة مؤسسات، واضحة البرنامج، معلنة الأهداف، محكومة بالتخطيط والتنفيذ، تُبنى بها شرعية داخلية تُجبر الخارج على احترام السيادة… لا حكومة فردية تصدر التوجيهات الفوقية التي لا تُنتج غير الفشل، وتورد البلاد موارد الهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى