“عشان عيون أطفالنا ما تذوق الهزيمة”..بقلم سماح طه – التايمز نيوز
رأي

“عشان عيون أطفالنا ما تذوق الهزيمة”..بقلم سماح طه

وفي كل يوم يمر علينا، وفي كل جلسة حوار لا تخلو من ذكريات، تبدأ رحلة الاجترار…
“تتذكري يا أمي؟” (ولولا الذكري مافي شجن )… يبدأ اطفالي بالحكي، وغالبًا ما تنتهي هذه “الونسة” بملامح من الحزن، حزن لا يستوعبه الجنرالات، ولا يحس به “البلابسة” الذين يحتضنون أبناءهم تحت المكيفات الاسبلت وفي الشقق الفندقية، ويجلسون خلف كيبورداتهم يبثون سمومهم ويزيدون النار حطبًا لمزيد من الاشتعال. هؤلاء لا يبالون بهذا الطفل او ذاك الذي يجلس في العراء باحثًا عن لقمة تسد رمقه، وليتها لقمة من خبز القمح، بل إنها لقمة “أمباز”.
لعنة الله على تجار الحرب.
هذا اليوم ٨ أغسطس، هو يوم الطفل السوداني.

لكن أين هو هذا الطفل؟
هو هذا المحاصر تحت وابل القنابل في مدن انعدمت فيها كل مقومات الحياة، أو ذاك المشتت بين المنافي، أو النازح من مدينة إلى أخرى. قتلى، جرحى، ومشاهد يفترض حتى في التلفاز أن تكون رؤيتها للأطفال مشكلة كبيرة، لكنها باتت واقعهم اليومي.
حرب عبثية تدخل عامها الثالث. و ما الحرب الا ما علمتم و ذقتم ….
هل وضعتم مرة أبناءكم مكان هؤلاء الصغار الجوعى والنازحين والمشردين بين المنافي؟ هل مرت بكم لحظة وأنتم تتقاتلون، ان سألتم أنفسكم: لماذا نتقاتل؟ لماذا لا نستمع لعويل الأمهات ولا لدعوات الصالحين و نداء الشيوخ؟
يبدو أن الضمير قد مات. وموت الضمير لا يحركه هذا الصراخ، بل يستخدمه بعضكم في دعاية سياسية رخيصة، وكأنها مباراة لا بد أن تنتهي بفائز ومهزوم. لكن الحروب لا تنتهي كذلك.
وأذكّركم — للتاريخ — أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي أصدر بيانًا عبّر فيه عن حزنه العميق لوفاة طفلة واحدة عمرها ست سنوات. فهل لزيلينسكي قلب، ولديكم أنتم صخور؟ هذا السؤال لا يستطيع أحدكم الإجابة عليه. موت الضمير أسوأ مراحل السوء في البشر، وأنا أشك أنكم بشر مثلنا.
أعوذ بالله من موت الضمير.

أما أنا، فأحمل معي قصة من بيتي، من فم أطفالي الذين علّمتهم الحرب ما لم أكن أتمنى أن يتعلموه:
جلس حمودي، ابن الست سنوات، وقال لأخته حنين
ذات التسع سنوات:
– “حنين، تعالي نعمل حرب”.
ترد حنين باستغراب: “كيف يعني؟”
– “نعمل حرب، نمشي بيتنا، أنا أجيب عجلتي، وانتي تجيبي مطبخك، ونجيب معانا عربية حسوني، لأنه ما بيقدر يركب الدبابة، عالية عليه. ونجي بسرعة كبيرة… عشان ما يقتلونا”.
الآن، صار في ذهن أطفالي أن الحقوق لا تُؤخذ إلا بقوة السلاح.
يا الله… هل نحن موعودون بجيل يعتقد أن البندقية هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الآخر، وأن “الضعيف يقع… والسمين يقيف”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى