“رسالة في بريد السفير عدوي” بقلم “سماح طه”

سعادة السفير،
لن تجد كثيرين من حولك يهمسون لك بما سأكتبه هنا. ربما لأن من حولك لا يرون أن الثقافة من أولويات المهام، وربما لأنهم تعودوا على نمط تقليدي في أداء الدور الدبلوماسي، لكننا نعلم – ويعلم كثيرون – أن اهتمامك بالشأن الثقافي ليس أمراً طارئاً، بل هو من صميم شخصيتك وتكوينك، وقد أثبتت الأيام أنك لست من أولئك الذين يُقزّمهم المنصب أو تُقيدهم الوظيفة.
بل إنك سفيرٌ تُصغّر من قدر المنصب أمام إمكانياتك الحقيقية وخبراتك التي سبقت السفارات وتجاوزت قاعات البروتوكولات. ورغم أن كثيراً من الأصوات لم تُتح لها المساحة للتعبير عن آرائها لك – لا لعيب فيك، ولكن لأن المساحات ضاقت بالرسميات – فإن هذا لا يمنعنا من القول: نراك أهلاً لدورٍ ثقافي أكبر من الحضور الإداري والدبلوماسي التقليدي.
الفترة التي قضيتها في سفارتنا ظلمها الإعلام الداخلي للسفارة نفسها. لم تُبرز الجهود، ولم تُنشر المبادرات، ولم تصلنا من السفارة غير أخبار اللقاءات الرسمية المعتادة، فيما ظلت الفعاليات الثقافية – إن وُجدت – بلا أثر محسوس في وجدان الجالية أو في محيط الدولة المضيفة.
وهنا نفتح باب السؤال الأهم:
كيف تكون مصر، وهي تضج بالمبدعين والمثقفين والإعلاميين، ومشهورة بحسها الفني العالي، ولا يكون لنا نحن السودانيين حضور ثقافي مؤثر فيها؟
في مصر آلاف من السودانيين، وملايين من المصريين الذين يكنّون الاحترام لثقافتنا، ولدينا فنانون ومفكرون ومبدعون كبار من أبناء السودان يعيشون هنا، لهم تاريخ فني ووعي ثقافي يمكن أن يكون جسراً عظيماً لنقل صوتنا ورسالتنا، لا سيما في هذا الظرف العصيب الذي يمرّ به وطننا الجريح.
فأنت اليوم لا تمثل فقط مؤسسة، بل ترأس دولة داخل دولة.
ودولة السودان، المنفية مؤقتاً من أرضها، لا تملك اليوم سوى أن تُخاطب العالم عبر ثقافتها، بفنها، بتسامحها، بقيمها التاريخية. نحتاجك أن تقود حراكاً ثقافياً حقيقياً.
نحتاج أن نحشد صوت السودان في معارض الكتب، في المسارح، في صالونات الفكر والفن.
نحتاج أن نُعلي من خطاب السلام والتعايش، ونُضحد خطاب الكراهية والتقسيم الذي أنهكنا في الداخل.
نعلم أن هذا الصوت لن يصلك عبر مذكرات السفارة ولا عبر البريد الرسمي.
لكنه رأي صادق، لا يحمل مصلحة شخصية، بل يحمل أملاً جماعياً في دور أكثر عمقاً وتأثيراً، نراك أهلاً له.
والله من وراء القصد.