سماح طه تكتب ..الما بتخافوا… خاف الله فيهو – التايمز نيوز
رأي

سماح طه تكتب ..الما بتخافوا… خاف الله فيهو

سأروي لكم، سادتي، حكاية قصيرة… كنتُ -قبل هذه الحرب اللعينة- أنتمي إلى إحدى الصحف اليومية في الخرطوم. وفي أحد اجتماعات التحرير الصباحية، طلب رئيس التحرير من جميع المحررين كتابة خبرين أسبوعيًا لصالح زاوية جديدة على الصفحة الأخيرة، أطلق عليها اسم (فلان الفلاني).

وذكر -مهددًا- أن من لا يلتزم بذلك، سيتعرض لخصم من راتبه. وعندما سأل: “هل من معترض؟”، قلت له بكل وضوح:
“أنا لن ألتزم”.
فاندهش، وسألني عن السبب.
قلت: “هذه صحافة لا تخدم قضايا الناس، وأنا لا أحب هذا النوع من العمل الصحفي”.
فرد عليّ: “معناها إنتي ما صحفية”.
فأجبته بانفعال: “إذا كان الصحفي يُقاس بهذه القوالب الجوفاء، فأنا ما صحفية”.

تذكرت هذه الواقعة مؤخرًا وأنا أتابع ما يجري على منصات التواصل الاجتماعي. حيث يطل علينا يوميًا من يسمي نفسه “كاشف الفساد”، ليحدثنا عن فساد (فلان الفلاني)… وفي الوقت ذاته، يمارس هو ذاته الفساد الإسفيري دون أن يرمش له جفن!

ولأكون أكثر تحديدًا، تابعت مؤخرًا من يُطلق على نفسه اسم (الشرطي) — ود المصطفى — وهو يتحدث في بثوثه المباشرة عن فساد مزعوم داخل السفارة السودانية بالقاهرة، مستهدفًا سعادة السفير عدوي، ومدير الجوازات، وبعض الموظفين.

يا أخي: “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا…”
لكن هذا المدّعي يفتح كاميرا هاتفه، ويجلس خلفها ليروّج الاتهامات جزافًا، دون أدلة أو براهين، مستخدمًا لغة ركيكة يمكن لأي شخص عابر أن يتحدث بها. وصناعة المحتوى التي أصبح البعض يسميها “مهنة”، باتت للأسف رصيفًا للـ”خبير الاستراتيجي”، بلا جدوى ولا عمق.

يطلق الاتهامات يمينًا ويسارًا، ويتحدث عن فساد مالي دون أرقام، يقول مثلاً: “ما يقارب الـ…”! دون أي بينة. والبينة على من ادعى.
والمؤسف أنه يدّعي أنه شرطي!
والشرطة -كما نعلم- لا يجوز لها توجيه تهم أو القبض على أي شخص دون أدلة قاطعة، وكان عليه احترام المهنة التي يدّعي الانتماء إليها، والتحدث بلغة القانون، لا بلغة الإسفاف والكلام البذيء.

وحسب ظني -وليس كل الظن إثمًا- فإن وراء هذه الحملة من يحركها لمصلحة ما…

أنا لا أدافع عن سعادة السفير، بل أتحدث كصحفية تحترم مهنتها وتسعى إلى تقصي الحقائق. ولو وُجدت وثيقة واحدة، أو مستند حقيقي يدعم هذا الادعاء، لكنا نحن، معشر الصحفيين المهنيين، أول من يتناول ذلك.

لكن للأسف، لم تعد المسألة كما يجب أن تكون. أصبحت وسائل التواصل ساحة لاغتيال الشخصيات، وبث السموم، وتضليل الرأي العام.
فالمسألة أصبحت غاية في البساطة والسهولة: تفتح الكاميرا، ويضربك “الهواء البارد”، وتخوض في أعراض الناس وسمعتهم، وتطلب “شير” و”لايك” لتزيد من عدد المشاهدات، لأجل حفنة دريهمات.

هذه، سادتي، هي أم الكوارث!
فالوسائط أصبحت سلاحًا فتاكًا ضد الخصوم…
لكن الأخطر من كل ذلك هو الأثر النفسي والاجتماعي الذي يخلفه هذا الهجوم على أسرة المعتدى عليه إسفيريًا.

اتقوا الله.
لا يعميكم حب الشهرة، ولا جني المال، عن قول الحق.
ولا يُحارب الفساد بالكلمات النابية والخادشة للحياء العام…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى