” اللوبي الإسرائيلي وصناعة العدو.. هل تُدار سياسة واشنطن تجاه إيران من الخارج؟” بقلم.. البشير دهب

في قلب السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، تبرز إيران كلاعب إقليمي مركزي، لكن الأهم من ذلك، كـ”عدو استراتيجي” في الرواية السياسية الأمريكية، منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بقوة، مع تعثر مسار المفاوضات النووية وتزايد التصعيد الإقليمي: هل تتعامل واشنطن مع إيران على أساس مصالحها القومية؟ أم أن صانع القرار الأمريكي واقع تحت تأثير جهات ضغط خارجية، أبرزها اللوبي الإسرائيلي؟
حين وقّعت إدارة باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، أحدث ذلك شرخًا واضحًا مع تل أبيب. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الاتفاق بأنه “خطأ تاريخي”، ولم يكتفِ بذلك، بل خطب في الكونغرس الأميركي معارضًا الصفقة، في تجاوز دبلوماسي غير مسبوق،
ورغم تمرير الاتفاق، فإن الضغوط التي قادتها منظمة AIPAC – رأس حربة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن – مهدت لانسحاب إدارة دونالد ترامب منه عام 2018. هذا القرار لم يأتِ نتيجة معطيات استخباراتية جديدة، بل تجاوبًا صريحًا مع خطاب اللوبي، الذي صوّر الاتفاق كتنازل “يهدد أمن إسرائيل أولًا، ثم أمريكا لاحقًا”.
كيف يُعاد تعريف العدو الأمريكي؟
اللوبي الإسرائيلي لا يقتصر دوره على الكونغرس أو تمويل الحملات الانتخابية، بل يمتد إلى مراكز الأبحاث، وصناعة الرأي العام، وتوجيه التغطية الإعلامية. مؤسسات مثل “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، أو “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، تعمل بشكل مستمر على صياغة خطاب مؤثر داخل واشنطن، يُظهر إيران كتهديد وجودي.
في المقابل، يتم تجاهل أي مقاربة واقعية لعلاقات القوة في الشرق الأوسط، أو للحلول الدبلوماسية الممكنة. بل يتم ترسيخ خيار “الردع الدائم”، وإن تطلب ذلك عقوبات قاسية أو ضربات عسكرية، على حساب استقرار المنطقة ومصالح أمريكا الحقيقية.
الواقع السياسي الأمريكي يؤكد أن بعض التوجهات، خصوصًا في ملفات تتقاطع مع إسرائيل، لم تعد تُصاغ فقط في وزارتي الخارجية أو الدفاع. بل أصبح التأثير الخارجي، خاصة من اللوبي الإسرائيلي، فاعلًا حقيقيًا في تحديد المسار. هذا التأثير لا يُمارَس بالضرورة عبر الابتزاز أو المؤامرات، بل من خلال أدوات مشروعة قانونيًا: التمويل، اللوبيات، صناعة الخطاب، وشراء النفوذ السياسي.
المفارقة أن هذا الواقع يُنتَقد علنًا من داخل النخبة الأكاديمية الأمريكية نفسها. كتاب “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية” (لمؤلفيه جون ميرشايمر وستيفن والت) كشف بجرأة، منذ عام 2007، كيف يتم توجيه السياسات الأمريكية بناءً على ما يخدم أمن إسرائيل، ولو تعارض ذلك مع المصالح الأمريكية المباشرة.
إيران ليست مجرد خصم
هذا لا يعني أن إيران لا تشكل تحديات حقيقية في المنطقة. لكنها – في منظور المصالح الأمريكية – ليست خصمًا مباشرًا على الأراضي الأمريكية، ولا تسعى إلى حرب مفتوحة مع واشنطن. بل على العكس، شهدت السنوات الماضية محاولات تفاوض عدة من جانب طهران. ما يحدث أن هذه المبادرات غالبًا ما تُجهَض بسبب خطاب التشدد الذي يتصدره اللوبي الإسرائيلي، والذي يصرّ على أن إيران لا يمكن التعامل معها إلا من موقع القوة.
اللحظة الراهنة تفرض مراجعة حقيقية للمنطق الذي تُدار به العلاقات الأمريكية–الإيرانية، فالانسياق خلف أجندات الحلفاء الإقليميين – وفي مقدمتهم إسرائيل – يجب ألا يكون معيارًا لصياغة السياسة الخارجية لدولة بحجم الولايات المتحدة. المطلوب الآن ليس الانحياز لطهران، بل الانحياز لعقلانية القرار السيادي الأمريكي.
اللوبي الإسرائيلي يبقى جزءًا من مشهد الضغط السياسي في واشنطن، لكن إبقاءه في موقع الموجه الأوحد للملف الإيراني، يعني التضحية بفرص السلام، والاستقرار، والمصالح القومية الأمريكية طويلة المدى.