واشنطن بوست تكشف تورط شركة تركية في حرب السودان..

كشفت مجموعة من الوثائق والاتصالات، نشرتها جريدة «واشنطن بوست» الأميركية، دور شركة تركية في تزويد الأسلحة سرا إلى الجيش السوداني، وهي نفسها الشركة التي قلبت موازين الحرب في طرابلس قبل سنوات عبر طائرات دون طيار.
وتوضح هذه الوثائق كيف مولت شركة دفاعية تركية ذات نفوذ كبير الحرب الأهلية المدمرة في السودان، التي استمرت 22 شهرا، وأدت إلى ما تصفها الأمم المتحدة بأنها «أسوأ كارثة إنسانية في العالم».
وحسب عقد وشهادة المستخدم النهائي اللذين نشرتهما «واشنطن بوست»، أرسلت شركة «بايكار»، المملوكة جزئيا لصهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز «TB2»، ومئات من الرؤوس الحربية. وقد أكد ذلك من خلال رسائل ووثائق تتبع الرحلات الجوية.
ما دور شركة «بايكار» التركية في حرب السودان؟
«بايكار» تعتبر المورد الرئيسي للطائرات المسيّرة للجيش التركي، وأكبر مصدر دفاعي في البلاد. ويمكن لطرازها المتقدم «TB2» حمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات، وهو مصنوع باستخدام العديد من المكونات الأميركية الصنع.
ووفقا للرسائل بين مسؤولي «بايكار»، وصلت أول شحنة ذخيرة جوًا في أغسطس 2024 إلى ميناء بورتسودان على ساحل السودان الشرقي. وأظهرت الرسائل أن آخر رحلة شحن وصلت في 15 سبتمبر2024.
واستخدمت «واشنطن بوست» بيانات طيران متاحة للجمهور في تحديد رحلتين جويتين تطابقان تلك الموصوفة في الاتصالات. وكلتاهما جرت عبر العاصمة المالية باماكو، وجرى تشغيلهما بواسطة شركة الطيران «Aviacon Zitotrans»، وهي شركة خاصة روسية فرضت عليها عقوبات أميركية في العام 2023، لكونها جزءًا من «آلة الحرب الروسية».
لكن مسؤول في السفارة التركية في واشنطن قال، شريطة عدم الكشف عن هويته: «بعد أن شهدت تركيا عواقب التدخل الخارجي في السودان، امتنعت منذ بداية الصراع عن تقديم أي دعم عسكري لأي من الأطراف».
من جهته، قال المدير العام السابق للأمن الدولي في وزارة الخارجية التركية، ألبير جوشكون، وهو الآن زميل بارز في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إنه لا يستطيع التعليق على حالات محددة، لكنه شدد على أن تركيا لديها نظام صارم لمراجعة مبيعات الأسلحة، يشمل وزارتي الخارجية والدفاع، وهيئة الأركان العامة.
تسهيلات سودانية مقابل المساعدات العسكرية
تُظهر الوثائق أيضا التسهيلات التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، مما يمنح لمحة نادرة عن عالم صفقات الحروب المظلمة.
وفي السياق نفسه، كشف تقرير مرصد النزاع السوداني، في أكتوبر الماضي، أن إيران كانت تزوّد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة سرية.
وخلال مناقشات أعقبت صفقة بيع الطائرات المسيّرة، أخبر مسؤولو «بايكار» زملاءهم أن قادة الجيش السوداني كانوا يفكرون في منح الشركات التركية امتيازات للوصول إلى مناجم النحاس والذهب والفضة، وفقًا لوثائق الشركة.
وفي الشهر الماضي، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، مما يمنحها موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر.
انتهاك للعقوبات الأميركية والأوروبية
وفق التقرير الأميركي، يبدو أن شحنات «بايكار» إلى الجيش السوداني تنتهك جولات عدة من العقوبات الأميركية والأوروبية، مما يسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها الشركات التركية خلال محاولتها توسيع نفوذها في أفريقيا.
ففي أكتوبر الماضي 2024، صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على تمديد حظر الأسلحة المفروض على دارفور، لكنه لم يتخذ أي إجراءات ضد القوى الخارجية المتهمة بانتهاك هذا الحظر.
في المقابل، قال مستشار قوات الدعم السريع، محمد المختار، إنها لم تتلقَ أسلحة من تركيا، لكنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة التركية.
وقد تسببت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عواقب كارثية على البلاد، مخلفة مقتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص، وفرار أكثر من 13 مليون شخص من منازلهم، بينما يحتاج نحو ثلثي سكان السودان، البالغ عددهم 50 مليون نسمة، إلى المساعدات الإنسانية.