بعيدا عن السياسة…. قريبا من فجاءة التحولات… كتب د. شمس الدين يونس

العام ١٩٧٢…. لم أكن غير ذلكم الطفل ذو السنوات العشر…..بالصف الثالث من المرحلة الابتدائية…و ظلت التحولات تلعب دورا في حياتي….بدءا من تحول نظام التعليم من (٤.) ×( ٤.) ×( ٤.) الي( ٦.)× ( ٣.) ×( ٣. )….. و تحولت علي ذلك الكثير من الأشياء. ….كنا نمارس المهن الهامشية في العطلات المدرسية …..لتوفير بعض الجنيهات لشراء حاجيات المدرسة …. كنت حينها…. اعمل في بيع التسالي أمام السينما الجمهورية …. و تأخذ الأشياء دلالاتها … كان أبي يعمل بالسينما … إتاح لي ذلك ثقافة سينمائية لاباس بها …شاهدت الأفلام من جميع مؤسسات الإنتاج… العربية و الأمريكية و الفرنسية و البريطانية … وغيرها … شهدت افلام الغرب الأمريكي و أعجبت ب(ديجانقو ) و (سارتانا) و الأفلام الهندية …( تسري منزل) و (جانوار.)…و من( أجل ابنائي) ….و زيارات كبار الفنانين لإحياء الحفلات بمباني السينما …كانت السينما في عطبرة قمة في التطور …. من سينما (النجم الأحمر) في ثلاثينيات القرن العشرين …. بسوق القيقر الي السينما الجمهورية في ستينيات القرن بالمربعات….شاهدنا و استمعنا لوردي و زيدان و محمد الأمين و البلابل….كانت السينما تستهل يومها برائعة الحلنقي( بتتعلم من الايام.)… كم كانت تدهشني هذه الأغنية.!!!..كل ما نملك هو ان نلوح لمحمد الأمين و هو يصعد الي خشبة مسرح السينما…عالم لا ينوبنا منه غير أن (نتعلم من الايام) …..احلام نري الوصول الي عوالمها ضرب من المستحيلات…. وتمر السنوات… ألم اقل لكم سادتي للتحولات دلالاتها… وذات يوم … وانا أجلس في مكتبي مديرا للمسرح القومي السوداني …فإذا بطرقات خفيفة علي الباب ..استئذانا بالدخول … يدخل( عوض) مدير المكتب التنفيذي للمسرح… يطلب الاذن لمحمد الأمين بالدخول لمقابلتي…فليدخل …واظل ذلكم الطفل الاغبر الاشعث الذي ظل (يلوح ) لمحمد الأمين… و يبادلني التحيات… يادكتور عايز اعمل حفل شهري بالمسرح… المسرح لك كل العام و ليس كل شهر …..و للاشياء تحولاتها … دراما الحياة…سادتي…و احدثكم عما حدث بالفعل…. (و ليس ما يمكن ان يحدث) … هذا ما ساقوله لكم …. بعد هذا الاستطراد …وتظل تفاجئنا التحولات ….وتدهشنا تصاريف القدر…كنا و- اترابنا- مغرميين بالدراما والسينما والمسرح …لدرجة أن أشار استاذ عوض سآتي للزميل الرشيد احمد عيسي ان اذهب لمعهد الموسيقي… ولم نكن قد تجاوزنا المرحلة الثانوية العامة(المتوسطة)في النظام التعليمي الجديد الذي أقره وزير التربية والتعليم( د. محي الدين صابر )و أفسد علينا متعة( ٤.)× (٤.) ×(٤.) لنكسب عامين في المرحلة (الابتدائية) ونخسر عاما في المرحلة (الثانوية العامة) وعاما في المرحلة ( الثانوية العليا )….وعلي ذكر استاذ عوض سآتي…الذي ظل ….يحثنا و يشجعنا علي القراءة و الاطلاع…كنا نقرأ علي يديه الصحف و المجلات المصرية و الكويتية و اللبنانية …قبل وصولها الي الخرطوم …نسبة لحركة القطارات…من مصر الي الخرطوم مرورا بعطبرة….كانت المدرسة تفتح ابوابها لنا صباحا و مساءا…صباحا للدراسة …ومساءا للمذاكره…و مراجعة الدروس ..بإشراف احد الاساتذه…ذات مساء يوم اثنين من العام ١٩٧٧….ونحن في الدوام المسائي بالمدرسة …لاحظ الاستاذ عوض ساتي…احد زملاءنا و هو يفتح الدرج و يغلقة بطريقة تثير الريبة … ففاجأه خلسة فإذا بزميلنا الذي كان يضع بوسترا لفلم (العراب) (الاب الروحي ) و يتأمله .بين الفنية و الاخري…. ويمني النفس بمشاهدة الفلم علي شاشة السينما الجمهورية …وكان موعد عرض الفلم بالسينما الجمهورية الأسبوع التالي يوم الإثنين…و ماكان من زميلانا …الا ان يبادر الاستاذ عوض قائلا: يوم الاثنين يا استاذ انا متغيب عن الدوام المسائي …لانني ذاهب الي السينما لمشاهدة فلم …العراب … وأقبل بالعقاب من الان….ضحك الجميع ذهب الأستاذ…دون أن يقول له شيئا…وكأنه ينتظر الأسبوع التالي ليعرف مدي جدية زميلنا…. وقد كان تغيب في الوقت المعلوم….وفي صباح اليوم التالي جاء و هو يحمل اعتذارا مكتوبا …. و سلمه للأستاذ….عوض سآتي.. الذي لم يتخذ معه اي إجراء…. ولم ينزل به عقوبة …وفلم (العراب)…. سادتي….هو فلم الجريمة الأمريكي الذي انتج عام ١٩٧٢ …من إخراج فرانسيس فورد لوبولا…وإنتاج ألبرت رودي و سيناريو كورولا روماريو بوزو وهو مقتبس من رواية (الاب الروحي ) The Godfather التي صدرت عام ١٩٦٩….و الفلم من بطولة مارلون براندو…و ال بانشينو…ودورهم في الفلم …(الذي حصد جوائز الأوسكار.)… كقادة لاحدي عائلات الجريمة في نيويورك…القصة تمتد لسنوات ١٩٤٥-١٩٥٥…..وتتمحور حول ( تحول) مايكل كورليوني من شخص بسيط الي زعيم مافيا…يحاول اضفاء الشرعية علي امبراطوريتة…الاجرامية …و تقوده الاقدار في الأجزاء (٢ )و( ٣) الثاني و الثالث من الفلم ….الي التخلص من حلفاء الأمس ….الم اقل لكم سادتي للتحولات…. منطقها …و(ان الدراما تتحدث عما يمكن أن يحدث) …و تؤرخ القصة أيضا لتاريخ عائلة كورليوني…تحت زعامة فيتو كورليوني (مارلون براندو)….و ألم… أقل لكم….( ان الحياة تحاكي الدراما) وليس العكس… لا أريد أن أكون قريبا من السياسة…. و لكن سادتي …. يظل دبشليم تطاردة كلمات بيدبا :
سألتني عن السقوط مرة يا دبشليم.. ..
وان تكن مازلت مصغيا الي..
هاانذا اقول لك:
يسقط بعضهم لانه يري و لا يري…
ويسقط البعض لانه يسير القهقري….
و شر أنواع السقوط مرضا
هو السقوط في الرضا …
………
أرضك ظمئ و الخريف شح هذا العام…
و المتسولون و الأقزام
يعربدون في حطام المملكة
ياملكا متوجا علي حطام
ياقائدا بغير معركة
هذا أوان المعركة….