واقع ومستقبل علاقات السودان الخارجية.. نظرة عن قرب – التايمز نيوز
سياسة

واقع ومستقبل علاقات السودان الخارجية.. نظرة عن قرب

الخرطوم: مهند عبادي

مع استمرار الأزمة السياسية في البلاد، يرى كثيرون أن البلاد أضحت مرتعاً خصباً للمبادرات والتدخلات الخارجية، وذلك بفعل الفراغ السياسي والدستوري، وعدم وجود سياسة أو إستراتيجية واضحة للعلاقات الخارجية للسودان، ويرى خبراء أن السنوات التي أعقبت ثورة ديسمبر شهدت حالة من الفوضى وعدم التوازن في العلاقات الخارجية. منتدى (مركز ترياق نيوز) ناقش واقع ومستقبل علاقات السودان الخارجية.

التشويه الكبير

الأستاذ محمد الفكي عضو مجلس السيادة السابق، القيادي بالحرية والتغيير، قال إن التردي على مستوى العلاقات الخارجية السودانية يعود إلى التشويه الكبير والأخطاء والخطاب العدائي للنظام البائد، وأضاف حتى بعد الثورة وفي حكومة الفترة الانتقالية الأولى والثانية لم تنصلح الأحوال كثيراً، رغم الاختراقات التي أحدثها رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، سيما في ظل وجود أخطاء وردت في الوثيقة الدستورية التي تركت أمر العلاقات الخارجية مناصفة بين مجلسي السيادة والوزراء؛ الأمر الذي بسببه نتج اختطاف للملف من قبل العسكريين، وهو ما أنتج ربكة حقيقة في شأن إدارة العلاقات الخارجية؛ بسبب الرؤى المتابينة وسط العسكريين أنفسهم، وتوجهات أي طرف فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وأشار الفكي إلى أن الواقع الحالي يعتبر أكثر تعقيداً عما كانت عليه في السنوات الثلاث الماضية، سيما في ظل التنافس الدولي والإقليمي على السودان، وعلى المنطقة بشكل كامل، والناظر إلى السرعة الكبيرة للمعادلات المتغيرة يدرك حجم هذا التعقيد الناتج عن تنافس الدول الكبرى المحموم حول المنطقة، وشدد الفكي على أن البلاد تحتاج إلى الحكمة في التعامل مع ملف العلاقات الخارجية؛ لتجنب المخاطر المحيطة بها حالياً، والأخذ في الاعتبار أن هذه المخاطر قادت دولاً كثيرة للغياب، وأحدثت فراغاً في المنطقة العربية والشام تحديداً، وتصدرت دول أخرى في مسألة صناعة القرار، والنظر إلى الأوضاع في ليبيا واليمن وإثيوبيا. وأكد محمد الفكي ضرورة إحداث تغييرات حقيقية في تركيبة السلطة بالبلاد، لتجنب المخاطر، ووضع خطة مفصلية تخدم مصالح السودان أولاً وأخيراً، ونبه الى وجود تنافس إقليمي لتشكيل واقع في السودان، وهو ما يتطلب من الجميع العمل على ايجاد معادلة لبناء علاقات متوازنة تخدم مصالح البلاد، ومن ثم تقدير الموقف للتعامل مع الإقليم، وأضاف أن الحكومة المقبلة ستكون متحررة من أي تصور آيديولوجي أو مشاريع إقليمية ودولية أو أممية لتكون قادرة على خدمة مصالح السودان، وتابع: “نعلم جيداً أن الجيش سيخرج من السلطة، ولكنه لن يخرج من السياسة، ونعلم جيداً أن كثيراً من الملفات في العلاقات الخارجية في السابق كانت توكل مهامها إلى جهاز الأمن والمخابرات في عهد البشير، وهذه كلها أوضاع تحتاج إلى تصحيح في سبيل إقامة علاقات خارجية تخدم مصالح السودان”، وزاد الفكي: “أعتقد أن رئيس الوزراء القادم سيتمكن من تصحيح هذا الأمر سيما في ظل الصلاحيات الواسعة المخولة له”، لافتاً إلى أن المخاطر الوجودية لدولة السودان تحتم العمل بشكل جاد على بناء جيش وطني ومهني وموحد وقوي للمحافظة على البلاد، وقال إن هذا الشأن سياسي وليس عسكرياً بحتاً، فمسائل التدريب والتسليح وغيرها من مطلوبات بناء الجيش القوي تنجزها السياسية وليس غيرها، وقطع الفكي بأنهم في الحرية والتغيير مدركون جيداً لحجم هذه التقاطعات، وحريصون على التعامل بمسؤولية مع ملف العلاقات الخارجية، وتقديم خط سياسي واضح في التعامل مع الأطراف كافة، من أجل مصلحة البلاد أولاً، والبحث عن الضمانات لدرء المخاوف الناجمة عن التنافس المحموم حول السودان. وجدد الفكي رفضهم للورشة التي تعقدها جمهورية مصر العربية بشأن حل الأزمة السياسية في السودان، وقال: “إن موقفنا واضح، وأن هذا الرفض لا يعني أننا في الحرية والتغيير أعداء لمصر، بل بالعكس فالحرية والتغيير تقدر جهود مصر، وتدرك أهميتها للسودان والأمن القومي جيداً، ولكن الرفض جاء من منطلق سياسي، وأنه لا يعني أن الحرية والتغيير لن تتواصل مع مصر الرسمية سنمضي في التواصل والعمل الذي يفترض أن يقوم على الندية والمصالح المتبادلة”.

نموذج للدبلوماسية

وفي الأثناء قال الخبير في العلاقات الدولية، أحمد حسين أحمد، إن العلاقات الدبلوماسية السودانية تعاني من إشكالية كبيرة جداً، بسبب الأوضاع المعقدة التي تعيشها البلاد، مشيراً إلى أن السودان قدم نموذجاً للدبلوماسية المتميزة عقب الاستقلال، وقيادته لدول عدم الانحياز، وبعدها في فترة الحرب الباردة التي كان التواصل فيها مع كل الأطراف، وظلت خلالها التجربة الدبلوماسية صامدة والسياسة واضحة بفعل الرشد السياسي وقتها، والرسوخ في العمل الخارجي، فضلاً عن الالتزام بمبادئ السياسة الخارجية والمصالح المشتركة، قبل أن تتدهور في عهد مايو وتأتي النكبة في عهد الإنقاذ، ثم يجيء عهد الثورة الذي شهدت فيه الدبلوماسية اضطراباً كبيراً جداً، وغابت فيه الثوابت مع سيطرة أعضاء النظام البائد على وزارة الخارجية بشكل كامل، فضلاً عن اختزال مكتب رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لإدارة العلاقات والتعاون الخارجي في مكتبه. وأكد أحمد خلال حديثه في المنتدى أن أكبر مشكلة تعاني منها البلاد تتمثل في عدم التخطيط لوضع إستراتيجية واضحة للعلاقات الخارجية، رغم زخم الثورة ومجهودات حمدوك، إلا أن ذلك لم يتم تحقيقه، لتأتي الفوضى عقب انقلاب أكتوبر، وتنتقل البلاد إلى مرحلة الدبلوماسية الرئاسية، وعدم الوعي بخطورة أبعاد العمل الدبلوماسي على الأمن القومي، ودونكم ملفات التعامل مع تشاد وأفريقا الوسطى؛ بسبب حكم القوى والنفوذ، وإذا لم تكتمل العملية السياسية بالانتهاء إلى تشكيل حكومة، فإن المسألة سوف تصبح في غاية التعقيد.

تسييس وزارة الخارجية

إلى ذلك قال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي ــ المركز العام، الشريف صديق الهندي، أن العلاقات الخارجية في السودان حالياً يتحكم فيها رجل واحد، وهي بلا برنامج ولا إستراتيجية، ولا أولويات؛ لذلك هي محل صراع ناتج عن غياب المؤسسية، فضلاً عن أزمة تسييس وزارة الخارجية التي حدثت منذ عهد نميري وحتى اليوم، وهو المعضلة الأساسية في تراجع العمل الدبلوماسي، وأضاف الهندي أن الفراغ الكبير في البلاد جعل منها حديقة خلفية لصراعات الدول والشركات ورجال الأعمال، واستغرب اعتماد السياسيين والحاكمين على الحلول الخارجية، وطلب العون من الخارج في أي شيء، وانتقد توجه الحرية والتغيير إلى الخارج للتبشير بالاتفاق الإطاري، وقال مفترض أن يتم التأكد من نضوج الاتفاق في الأول داخلياً، ومن ثم تسويقه للخارج، وأشار إلى أن تسويق الرأي الوطني يفتح الباب أمام التدخل الخارجي، وأي فراغ بجيب التدخل والمخدرات والإرهاب، وأكد الهندي أن الحل يكمن في إقامة مؤتمر قومي يناقش كل قضايا البلاد، وتقديم رؤى وتوصيات واضحة حولها للحكومة القادمة سواء كانت انتقالية أو منتخبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى