إنكار التمكين …خطاب يحمي الدولة العميقة وليس الوطن” بقلم.. د . التوم حاج الصافي زين العابدين

حين يخرج الخطاب الرسمي لينفي وجود نفوذ للإسلاميين داخل الجيش، فهو لا يخوض نقاشًا سياسيًا بقدر ما يوجّه رسالة قاسية إلى وعي السودانيين: انسوا ما عشتموه، وصدقوا ما نقوله الآن. هذا الإنكار لا يمحو حقيقة أن الجيش كان أحد أعمدة مشروع التمكين لثلاثين عامًا، ولا يغيّر أن أغلب هرم القيادة الحالي تَشكَّل وتدرّج في قلب تلك الحقبة.
الحاضر نفسه يكذّب رواية الإنكار:
اللغة التعبوية القريبة من خطاب النظام السابق، عودة واجهات سياسية وإعلامية مرتبطة بالمشروع القديم، واستمرار بنية قيادة لم تخضع لمراجعة جذرية ولا لإعادة هيكلة شفافة. كل ذلك يقول إن التمكين لم يخرج من المؤسسة، بل غيّر شكله فقط.
في علم السياسة، هذا السلوك ليس صدفة؛ إنه سلوك دولة عميقة تحمي نفسها. فالدولة العميقة لا تعترف بما يهدد شبكات نفوذها، بل تعيد تعريف الواقع حتى تبقى فوق المساءلة. إنكار التمكين داخل الجيش يعني عمليًا رفض أي نقاش جدي حول الإصلاح، وتفادي فتح ملفات الترقيات، والولاءات، وآليات اتخاذ القرار التي بُنيت على أساس أيديولوجي لا وطني.
الخطر هنا أن الإنكار لا يجمّل الماضي فقط، بل يعطّل المستقبل. كيف يمكن بناء ثقة بين المجتمع ومؤسسة عسكرية تبدأ حديثها بنفي ما يعرفه الناس بالتجربة والمعاناة؟ وكيف يمكن الحديث عن جيش مهني بينما يُصرّ خطابه على محو أثر مشروع حكم استخدمه كأداة رئيسية للبقاء؟
من يريد حقًا إنقاذ السودان لا يهرب من الحقيقة، بل يواجهها. والاعتراف بوجود آثار التمكين داخل الجيش ليس ترفًا سياسيًا، بل شرط أول لأي إصلاح حقيقي. أما الاستمرار في خطاب الإنكار، فهو لا يثبت براءة المؤسسة، بل يثبت أن عقلية الدولة العميقة ما زالت تحكمها، وتتعامل مع الشعب كجمهور يمكن استغفاله لا كشريك في صناعة المستقبل.
د . التوم حاج الصافي زين العابدين خبير علاقات دولية



