الملك لير… الفخراني فخر شعب مصر – التايمز نيوز
رأي

الملك لير… الفخراني فخر شعب مصر

بقلم: سماح طه

على خشبة المسرح القومي المصري، الذي يجاور سوق العتبة قلب القاهرة النابض بالحياة والاقتصاد والإبداع، تتجلى معاني الفن في أبهى صورها. في هذا المكان العريق، يمكنك أن تتسوق وتشتري من العتبة، ثم تدخل إلى المسرح القومي لتجد عرضًا فنيًا يأخذك من ضجيج السوق إلى سكون الدهشة. هناك، تشعر أن كل ما يحتاجه الإنسان — من القوت إلى الروح — موجود في هذا المكان.

مسرحية الملك لير، رائعة وليم شكسبير الخالدة، كما قدّمها الأستاذ الفنان يحيى الفخراني وفرقته، كانت تجربة تتجاوز حدود المشاهدة. ساعتان من الدهشة والامتلاء بالجمال، من الأداء المتقن إلى الاستعراض المدهش، في توليفة نادرة لن تجدها إلا على خشبة المسرح القومي المصري، الذي يشبه في قامته قامة الفخراني نفسه.

لا يمكنك أن تبدأ الحديث عن هذا العرض دون التوقف عند الدكتور أيمن الشيوي، مدير عام المسرح القومي، الذي جمع بين التواضع والرقي، فكان حضوره الإنساني مرآة للمكان. استقباله لضيوف المسرح يعكس روح الفنان الحقيقي الذي يعرف أن المسرح ليس فقط خشبة وأضواء، بل بيت للفن والناس.

أما يحيى الفخراني، فقد أعاد تعريف معنى الأداء المسرحي. جسّد الملك لير بصدقٍ جعلنا نرى في مأساته ملامح واقعنا العربي المعاصر، وكأن شكسبير كتب عن زماننا هذا منذ قرون. خرجنا من العرض ونحن نقول: يا للعجب! كيف استطاع نص كتب قبل مئات السنين أن يصف حاضرنا بهذه الدقة؟ قصة بدت كخرافة، لكنها – ويا للأسف – تجسّد ما نعيشه في هذا الزمان الأغبر.

لقد قدم المسرح القومي المصري عرضًا يستحق أن يُروى عنه طويلاً، عرضًا جمع بين الفكر والجمال، بين التقاليد والجرأة، ليؤكد أن المسرح ما زال قلب الثقافة النابض، ومختبر الوعي الجمعي.

وأنا أنصح الجميع بأن يسعى إلى اقتناص أي فرصة لحضور الملك لير، لأنك ستخرج من هذا العرض مشحونًا بأحاسيس الامتلاء بالإبداع حتى التخمة، وكأنك ارتويت من نبع الفن الصافي.

نحن في أمسّ الحاجة إلى هذا النوع من الإبداع المسرحي، لنتعافى من جراح أوطاننا التي نكابد لأجل بقائها على قيد الحياة. فالمسرح دواء الشعوب، وصوتها حين يخفت كل صوت.

ولأن الفن لا يعرف الحدود، فإن ما شاهدناه على خشبة المسرح القومي يؤكد أن الثقافة المصرية والسودانية تنبضان بقلب واحد، يجمع بين عمق التاريخ وصدق الإنسان.

فشكرًا جميلًا للملك يحيى الفخراني، فكلي فخر بأنني شاهدتك عيانًا لا سماعًا، وشكرًا كثيرًا للدكتور أيمن الشيوي ابن النيل الجميل،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى