أزمة أطباء السودان في الزمالة المصرية: حقوق مهدورة وصمت غير مبرر.. بقلم “أحمد قرشي دلميت”

منذ أكثر من عام، يقف عشرات الأطباء السودانيين المقبولين في برنامج الزمالة المصرية 2022 عند نقطة الصفر، عالقين بين تعقيدات إدارية مصرية وصمت رسمي سوداني لا يجد تفسيراً. هؤلاء الأطباء، الذين اجتازوا امتحانات القبول وسددوا الرسوم كاملة، وجدوا أنفسهم فجأة محرومين من مباشرة التدريب بحجة “عدم اكتمال الترخيص”، رغم أن قبولهم جاء وفق بروتوكولات موقعة بين البلدين وتحت إشراف مؤسسات رسمية.
القضية في جوهرها ليست مجرد إجراء إداري، بل أزمة حقيقية تمس مستقبل كوادر طبية شابة تمثل رأس مال السودان البشري. إهدار أكثر من عشرة أشهر من أعمارهم دون تدريب أو اعتراف رسمي، لا يضر بهم وحدهم فحسب، بل ينعكس على المنظومة الصحية في السودان التي تعاني أصلاً من نقص حاد في الكوادر المؤهلة.
الأطباء المتضررون لم يقفوا مكتوفي الأيدي؛ فقد تواصلوا مع وزارات الصحة والخارجية السودانية، وبذلوا جهوداً مع السفارة في القاهرة، لكن النتيجة كانت مزيداً من الانتظار. في المقابل، ظل الجانب المصري متمسكاً بقرار لا يراعي خصوصية الوضع ولا يُنصف الأطباء السودانيين، في وقت يحصل فيه أطباء من جنسيات أخرى على فرصتهم في التدريب دون عقبات تذكر.
المؤسف أن غياب التحرك الحاسم من الخرطوم يضاعف المعاناة، ويطرح سؤالاً مشروعاً: أين دور الدولة في الدفاع عن كفاءاتها؟ وكيف يُترك مستقبل الأطباء معلقاً بهذه الصورة بينما الحديث لا ينقطع عن أهمية الاستثمار في الإنسان والتعليم والصحة؟
هذه الأزمة تستدعي تدخلاً مباشراً وعاجلاً على أعلى المستويات، عبر مخاطبة رسمية واضحة مع السلطات المصرية، وإيجاد حل عملي يضع حداً لمعاناة الأطباء، ويضمن عدم تكرار مثل هذا الخلل مستقبلاً. فالقضية لم تعد مسألة إدارية، بل قضية كرامة مهنية ومسؤولية وطنية.
الأطباء السودانيون لم يطلبوا امتيازاً خاصاً، بل يطالبون بحق مكتسب، وثقة مستحقة، وفرصة عادلة. تجاهل هذا الملف أو تركه للمجهول لن يضر الأطباء وحدهم، بل يضرب صورة الدولة وهيبتها أمام أبنائها أولاً، وأمام شركائها ثانياً.